﴿فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ﴾، قال ابن عباس : هما عينان مثل الدنيا أضعافاً مضاعفة. وقال : تجريان بالزيادة والكرامة على أهل الجنة. وقال الحسن : تجريان بالماء الزلال، إحداهما التسنيم، والأخرى السلسبيل. وقال ابن عطية : إحداهما من ماء، والأخرى من خمر. وقيل : تجريان في الأعالي والأسافل من جبل من مسك. ﴿زَوْجَانِ﴾، قال ابن عباس : ما في الدنيا من شجرة حلوة ولا مرة إلا وهي في الجنة،
١٩٦
حتى شجر الحنظل، إلا أنه حلواً. انتهى. ومعنى زوجان : رطب ويابس، لا يقصر هذا عن ذاك في الطيب واللذة. وقيل : صنفان، صنف معروف، وصنف غريب. وجاء الفصل بين قوله :﴿ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ﴾ وبين قوله :﴿فِيهِمَا مِن كُلِّ فَـاكِهَةٍ﴾ بقوله :﴿فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ﴾. والأفنان عليها الفواكه، لأن الداخل إلى البستان لا يقدم إلا للتفرج بلذة ما فيه بالنظر إلى خضرة الشجر وجري الأنهار، ثم بعد يأخذ في اجتناء الثمار للأكل. وانتصب ﴿مُتَّكِـاِينَ﴾ على الحال من قوله :﴿وَلِمَنْ خَافَ﴾، وحمل جمعاً على معنى من. وقيل : العامل محذوف، أي يتنعمون متكئين. وقال الزمخشري : أي نصب على المدح، والاتكاء من صفات المتنعم الدالة على صحة الجسم وفراغ القلب، والمعنى :﴿مُتَّكِـاِينَ﴾ في منازلهم ﴿عَلَى فُرُشٍ﴾. وقرأ الجمهور : وفرش بضمتين ؛ وأبو حيوة : بسكون الراء. وفي الحديث :"قيل لرسول لله صلى الله عليه وسلّم هذه البطائن من استبرق، كيف الظهائر ؟ قال : هي من نور يتلألأ"، ولو صح هذا لم يجز أن يفسر بغيره. وقيل : من سندس. قال الحسن والفراء : البطائن هي الظهائر. وروي عن قتادة، وقال الفراء : قد تكون البطانة الظهارة، والظهارة البطانة، لأن كلاً منهما يكون وجهاً، والعرب تقول : هذا وجه السماء، وهذا بطن السماء.
قوله عز وجل :﴿مُتَّكِـاِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآاِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍا وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ * فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِنَّ قَـاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَآنٌّ * فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ * فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * هَلْ جَزَآءُ الاحْسَـانِ إِلا الاحْسَـانُ * فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ * فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُدْهَآمَّتَانِ * فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ * فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا فَـاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ * فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ * فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِى الْخِيَامِ * فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَآنٌّ * فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُتَّكِـاِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِىٍّ حِسَانٍ * فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * تَبَـارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِى الْجَلَـالِ وَالاكْرَامِ﴾.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٨٤
قال ابن عباس : تجتنيه قائماً وقاعداً ومضطجعاً، لا يرد يده بعد ولا شوك وقرأ عيسى : بفتح الجيم وكسر النون، كأنه أمال النون، وإن كانت الألف قد حذفت في اللفظ، كما أمال أبو عمرو ﴿حَتَّى نَرَى اللَّهَ﴾. وقرىء : وجنى بكسر الجيم. والضمير في ﴿فِيهِنَّ﴾ عائد على الجنان الدال عليهن جنتان، إذ كل فرد فرد له جنتان، فصح أنها جنان كثيرة، وإن كان الجنتان أريد بهما حقيقة التثنية، وأن لكل جنس من الجن والإنس جنة واحدة، فالضمير يعود على ما اشتملت عليه الجنة من المجالس والقصور والمنازل. وقيل : يعود على الفرش، أي فيهن معدات للاستماع، وهو قول
١٩٧
حسن قريب المأخذ. وقال الزمخشري : فيهن في هذه الآلاء المعدودة من الجنتين والعينين والفاكهة والجنى. انتهى، وفيه بعد. وقال الفراء : كل موضع من الجنة جنة، فلذلك قال :﴿فِيهِنَّ﴾، والطرف أصله مصدر، فلذلك وحد. والظاهر أنهن اللواتي يقصرون أعينهن على أزواجهن، فلا ينظرن إلى غيرهم. قال ابن زيد : تقول لزوجها : وعزة ربي ما أرى في الجنة أحسن منك. وقيل : الطرف طرف غيرهن، أي قصرن عيني من ينظر إليهن عن النظر إلى غيرهن.