﴿جَزَآءَا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ : روي أن المنازل والقسم في الجنة على قدر الأعمال، ونفس دخول الجنة برحمة الله تعالى وفضله لا بعمل عامل، وفيه النص الصحيح الصريح : لا يدخل أحد الجنة بعمله، قالوا : ولا أنت يا رسول الله، قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني بفضل منه ورحمة". ﴿لَغْوًا﴾ : سقط القول وفحشه، ﴿وَلا تَأْثِيمًا﴾ : ما يؤثم أحداً والظاهر أن ﴿إِلا قِيلا سَلَـامًا سَلَـامًا﴾ استثناء منقطع، لأنه لم يندرج في اللغو ولا التأثيم، ويبعد قول من قال استثناء متصل. وسلاماً، قال الزجاج : هو مصدر نصبه ﴿قِيلا﴾، أي يقول بعضهم لبعض ﴿سَلَـامًا سَلَـامًا﴾. وقيل : نصب بفعل محذوف، وهو معمول قيلاً، أي قيلاً أسلموا سلاماً. وقيل :﴿سَلَـامًا﴾ بدل من ﴿قِيلا﴾. وقيل : نعت لقيلا بالمصدر، كأنه قيل : إلا قيلاً سالماً من هذه العيوب. ﴿فِى سِدْرٍ﴾ : في الجنة شجر على خلقه، له ثمر كقلال هجر طيب الطعم والريح. ﴿مَّخْضُودٍ﴾ : عار من الشوك. وقال مجاهد : المخضود : الموقر الذي تثني أغصانه كثرة حمله، من خضد الغصن إذا أثناه. وقرأ الجمهور :﴿وَطَلْحٍ﴾ بالحاء ؛ وعليّ وجعفر بن محمد وعبد الله : بالعين، قرأها على المنبر. وقال عليّ وابن عباس وعطاء ومجاهد : الطلح : الموز. وقال الحسن : ليس بالموز، ولكنه شجر ظله بارد رطب. وقيل : شجر أم غيلان، وله نوّار كثير طيب الرائحة. وقال السدّي : شجر يشبه طلح الدنيا، ولكن له ثمر أحلى من العسل. والمنضود : الذي نضد من أسفله إلى أعلاه، فليست له ساق تظهر. ﴿وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ﴾ : لا يتقلص. بل منبسط لا ينسخه شيء.
٢٠٦
قال مجاهد : هذا الظل من سدرها وطلحها. ﴿وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ﴾، قال سفيان وغيره : جار في أخاديد. وقيل : منساب لا يتعب فيه بساقية ولا رشاء.
﴿لا مَقْطُوعَةٍ﴾ : أي هي دائمة لا تنقطع في بعض الأوقات، كفاكهة الدنيا، ﴿وَلا مَمْنُوعَةٍ﴾ : أي لا يمنع من تناولها بوجه، ولا يحظر عليها كالتي في الدنيا. وقرىء : وفاكهة كثيرة برفعهما، أي وهناك فاكهة، وفرش : جمع فراش. وقرأ الجمهور : بضم الراء ؛ وأبو حيوة : بسكونها مرفوعة، نضدت حتى ارتفعت، أو رفعت على الأسرة. والظاهر أن الفراش هو ما يفترش للجلوس عليه والنوم. وقال أبو عبيدة وغيره : المراد بالفرش النساء، لأن المرأة يكنى عنها بالفراش، ورفعهن في الأقدار والمنازل. والضمير في ﴿أَنشَأْنَـاهُنَّ﴾ عائد على الفرش في قول أبي عبيدة، إذ هنّ النساء عنده، وعلى ما دل عليه الفرش إذا كان المراد بالفرش ظاهر ما يدل عليه من الملابس التي تفرش ويضطجع عليها، أي ابتدأنا خلقهن ابتداء جديداً من غير ولادة. والظاهر أن الإنشاء هو الاختراع الذي لم يسبق بخلق، ويكون ذلك مخصوصاً بالحور اللاتي لسن من نسل آدم، ويحتمل أن يريد إنشاء الإعادة، فيكون ذلك لبنات آدم. ﴿فَجَعَلْنَـاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا﴾ : والعرب، قال ابن عباس : العروب المتحببة إلى زوجها، وقاله الحسن، وعبر ابن عباس أيضاً عنهن بالعواشق، ومنه قول لبيد :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٠٠
وفي الخدور عروب غير فاحشةريا الروادف يغشى دونها البصر
وقال ابن زيد : العروب : المحسنة للكلام. وقرأ حمزة، وناس منهم شجاع وعباس والأصمعي، عن أبي عمرو، وناس منهم خارجة وكردم وأبو خليد عن نافع، وناس منهم أبو بكر وحماد وأبان عن عاصم : بسكون الراء، وهي لغة تميم ؛ وباقي السبعة : بضمها. ﴿أَتْرَابًا﴾ في الشكل والقد، وأبعد من ذهب إلى أن الضمير في ﴿أَنشَأْنَـاهُنَّ﴾ عائد على الحور العين المذكورة قبل، لأن تلك قصة قد انقطعت، وهي قصة السابقين، وهذه قصة أصحاب اليمين. واللام في ﴿أَصْحَـابُ﴾ متعلقة بأنشأناهن. ﴿ثُلَّةٌ مِّنَ الاوَّلِينَ﴾ : أي من الأمم الماضية، ﴿وَثُلَّةٌ مِّنَ الاخِرِينَ﴾ : أي من أمّة محمد صلى الله عليه وسلّم، ولا تنافي بين قوله :﴿وَثُلَّةٌ مِّنَ الاخِرِينَ﴾ وقوله قبل :﴿وَقَلِيلٌ مِّنَ الاخِرِينَ﴾، لأن قوله :﴿مِّنَ الاخِرِينَ﴾ هو في السابقين، وقوله ﴿وَثُلَّةٌ مِّنَ الاخِرِينَ﴾ هو في أصحاب اليمين.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٠٠
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٠٧
٢٠٧


الصفحة التالية
Icon