﴿وَأَصْحَـابُ الشِّمَالِ مَآ أَصْحَـابُ الشِّمَالِ * فِى سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ * إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَالِكَ مُتْرَفِينَ * وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ * وَكَانُوا يَقُولُونَ أَاِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَـامًا أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَ ءَابَآؤُنَا الاوَّلُونَ * قُلْ إِنَّ الاوَّلِينَ وَالاخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَـاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ * ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّآلُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لاكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ * فَمَالِـاُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَـارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَـارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ * هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ * نَحْنُ خَلَقْنَـاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ * أَفَرَءَيْتُم مَّا تُمْنُونَ * ءَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُا أَمْ نَحْنُ الْخَـالِقُونَ * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَـالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِى مَا لا تَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الاولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ * أَفَرَءَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُا أَمْ نَحْنُ الزاَّرِعُونَ * لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَـاهُ حُطَـامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * أَفَرَءَيْتُمُ الْمَآءَ الَّذِى تَشْرَبُونَ * ءَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَـاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ * أَفَرَءَيْتُمُ النَّارَ الَّتِى تُورُونَ * ءَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ أَمْ نَحْنُ الْمُنشِـاُونَ * نَحْنُ جَعَلْنَـاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَـاعًا لِّلْمُقْوِينَ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٠٧
لما ذكر حال السابقين، وأتبعهم بأصحاب الميمنة، ذكر حال أصحاب المشئمة فقال :﴿وَأَصْحَـابُ الشِّمَالِ﴾، وتقدّم إعراب نظير هذه الجملة، وفي هذا الاستفهام تعظيم مصابهم. ﴿فِى سَمُومٍ﴾ : في أشدّ حر، ﴿وَحَمِيمٍ﴾ : ماء شديد السخونة. ﴿وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ﴾، قال ابن عباس ومجاهد وأبو مالك وابن زيد والجمهور : دخان. وقال ابن عباس أيضاً : هو سرادق النار المحيط بأهلها، يرتفع من كل ناحية حتى يظلهم. وقال ابن كيسان : اليحموم من أسماء جهنم. وقال ابن زيد أيضاً وابن بريدة : هو جبل في النار أسود، يفزع أهل النار إلى ذراه، فيجدونه أشد شيء وأمر. ﴿لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ﴾ : صفتان للظل نفيتا، سمي ظلاً وإن كان ليس كالظلال، ونفي عنه برد الظل ونفعه لمن يأوي إليه. ﴿وَلا كَرِيمٍ﴾ : تتميم لنفي صفة المدح فيه، وتمحيق لما يتوهم في الظل من الاسترواح إليه عند شدّة الحر، أو نفي لكرامة من يستروح إليه. ونسب إليه مجازاً، والمراد هم، أي يستظلون إليه وهم مهانون. وقد يحتمل المجلس الرديء لنيل الكرامة، وبدىء أولاً بالوصف الأصلي الذي هو الظل، وهو كونه من يحموم، فهو بعض اليحموم. ثم نفى عنه الوصف الذي يبغي له الظل، وهو كونه لا بارداً ولا كريماً. وقد يجوز أن يكون ﴿لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ﴾ صفة ليحموم، ويلزم منه أن يكون الظل موصوفاً بذلك. وقرأ الجمهور :﴿لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ﴾ بجرهما ؛ وابن عبلة : برفعهما : أي لا هو بارد ولا كريم، على حد قوله :
فأبيت لا حرج ولا محروم
أي لا أنا حرج. ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَالِكَ﴾ : أي في الدنيا، ﴿مُتْرَفِينَ﴾ : فيه ذم الترف والتنعم في الدنيا، والترف طريق إلى البطالة وترك التفكر في العاقبة. ﴿وَكَانُوا يُصِرُّونَ﴾ : أي يداومون ويواظبون، ﴿عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ﴾، قال قتادة والضحاك وابن زيد : الشرك، وهو الظاهر. وقيل : ما تضمنه قوله :﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَـانِهِمْ﴾ الآية من التكذيب بالبعث. ويبعده :﴿وَكَانُوا يَقُولُونَ﴾، فإنه معطوف على ما قبله، والعطف يقتضي التغاير، فالحنث العظيم : الشرك. فقولهم :﴿أَاِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَـامًا أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَ ءَابَآؤُنَا الاوَّلُونَ﴾ : تقدم الكلام عليه في والصافات، وكرر الزمخشري هنا وهمه فقال : فإن قلت : كيف حسن العطف على المضمر في ﴿لَمَبْعُوثُونَ﴾ من غير تأكيد بنحن ؟ قلت : حسن للفاصل الذي هو الهمزة، كما حسن في قوله :﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ﴾، الفصل لا المؤكدة للنفي. انتهى. ورددنا عليه هنا وهناك إلى مذهب الجماعة في أنهم لا يقدرون بين همزة الاستفهام وحرف العطف فعلاً في نحو :﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا ﴾،
٢٠٩


الصفحة التالية
Icon