إلا أن الأكثر في هذا الباب التذكير على ما في العامة، يعني القراءة العامة، قال : لأنه مسند إلى ﴿مِن نَّجْوَى ﴾ وهو يقتضي الجنس، وذلك مذكر. انتهى. وليس الأكثر في هذا الباب التذكير، لأن من زائدة. فالفعل مسند إلى مؤنث، فالأكثر التأنيث، وهو القياس، قال تعالى :﴿وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ ءَايَةٍ مِّنْ ءَايَـاتِ رَبِّهِمْ﴾، ﴿مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا﴾، ويكون هنا تامة، ونجوى احتمل أن تكون مصدراً مضافاً إلى ثلاثة، أي من تناجي ثلاثة، أو مصدراً على حذف مضاف، أي من ذوي نجوى، أو مصدراً أطلق على الجماعة المتناجين، فثلاثة : على هذين التقديرين. قال ابن عطية : بدل أو صفة. وقال الزمخشري : صفة. وقرأ ابن أبي عبلة ثلاثة وخمسة بالنصب على الحال، والعامل يتناجون مضمرة يدل عليه نجوى. وقال الزمخشري : أو على تأويل نجوى بمتناجين ونصبها من المستكن فيه. وقال ابن عيسى : كل سرار نجوى. وقال ابن سراقة : السرار ما كان بين اثنين، والنجوى ما كان بين أكثر. قيل : نزلت في المنافقين، واختص الثلاثة والخمسة لأن المنافقين كانوا يتناجون على هذين العددين مغايظة لأهل الإيمان ؛ والجملة بعد إلا في المواضع الثلاثة في موضع الحال، وكونه تعالى رابعهم وسادسهم ومعهم بالعلم وإدراك ما يتناجون به. وقال ابن عباس : نزلت في ربيعة وحبيب ابني عمرو وصفوان بن أمية، تحدّثوا فقال أحدهم : أترى الله يعلم ما نقول ؟ فقال الآخر : يعلم بعضاً ولا يعلم بعضاً، فقال الثالث : إن كان يعلم بعضاً فهو يعلمه كله.
﴿وَلا أَدْنَى مِن ذَالِكَ﴾ : إشارة إلى الثلاثة والخمسة، والأدنى من الثلاثة الاثنين، ومن الخمسة الأربعة ؛ ولا أكثر يدل على ما يلي الستة فصاعداً. وقرأ الجمهور :﴿وَلا أَكْثَرَ﴾ عطفاً على لفظ المخفوض ؛ والحسن وابن أبي إسحاق والأعمش وأبو حيوة وسلام ويعقوب : بالرفع عطفاً على موضع نجوى إن أريد به المتناجون، ومن جعله مصدراً محضاً على حذف مضاف، أي ولا نجوى أدنى، ثم حذف وأقيم المضاف إليه مقامه فأعرب بإعرابه. ويجوز أن يكون ﴿وَلا أَدْنَى ﴾ مبتدأ، والخبر ﴿إِلا هُوَ مَعَهُمْ﴾، فهو من عطف الجمل، وقرأ الحسن أيضاً ومجاهد والخليل بن أحمد ويعقوب أيضاً : ولا أكبر بالباء بواحدة والرفع، واحتمل الإعرابين : العطف على الموضع والرفع بالابتداء. وقرىء :﴿يُنَبِّئُهُم﴾ بالتخفيف والهمز ؛ وزيد بن علي : بالتخفيف وترك الهمز وكسر الهاء ؛ والجمهور : بالتشديد والهمز وضم الهاء.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٩
قوله عز وجل ﴿لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَـاجَوْنَ بِالاثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِى أَنفُسِهِمْ﴾.
نزلت ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ في اليهود والمنافقين. كانوا يتناجون دون المؤمنين، وينظرون إليهم ويتغامزون بأعينهم عليهم، موهمين المؤمنين من أقربائهم أنهم أصابهم شر، فلا يزالون كذلك حتى يقدم أقرباؤهم. فلما كثر ذلك منهم، شكا المؤمنون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فأمرهم أن لا يتناجوا دون المؤمنين، فلم ينتهوا، فنزلت، قاله ابن عباس. وقال مجاهد : نزلت في اليهود. وقال ابن السائب : في المنافقين. وقرأ الجمهور :﴿وَيَتَنَـاجَوْنَ﴾ ؛ وحمزة وطلحة والأعمش ويحيى بن وثاب ورويس : وينتجون مضارع انتجى. ﴿بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ﴾ : كانوا يقولون : السام عليك، وهو الموت ؛ فيرد عليهم : وعليكم. وتحية الله لأنبيائه :﴿وَسَلَـامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ا﴾. ﴿لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ﴾ : أي إن كان نبياً، فما له لا يدعو علينا حتى نعذب بما نقول ؟ فقال تعالى :﴿حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ﴾.
ثم نهى المؤمنين أن يكون تناجيهم مثل تناجي الكفار، وبدأ بالإثم لعمومه، ثم بالعدوان لعظمته في النفوس، إذ هي ظلامات العباد. ثم ترقى إلى ما هو أعظم، وهو معصية الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي هذا طعن على المنافقين، إذ كان تناجيهم في ذلك. وقرأ الجمهور :﴿فَلا تَتَنَـاجَوْا ﴾، وأدغم ابن محيصن التاء في التاء. وقرأ الكوفيون والأعمش وأبو حيوة ورويس : فلا تنتجوا مضارع انتجى ؛ والجمهور : بضم عين العدوان ؛ وأبو حيوة بكسرها حيث وقع ؛ والضحاك : ومعصيات الرسول على الجمع. والجمهور : على الإفراد. وقرأ عبد الله : إذا انتجيتم فلا تنتجوا. وأل في ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى ﴾ للعهد في نجوى الكفار ﴿بِالاثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾، وكونها ﴿مِنَ الشَّيْطَـانِ﴾، لأنه هو الذي يزينها لهم، فكأنها منه.


الصفحة التالية
Icon