﴿لِيَحْزُنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ : كانوا يوهمون المؤمنين أن غزاتهم غلبوا وأن أقاربهم قتلوا. ﴿وَلَيْسَ﴾ : أي التناجي أو الشيطان أو الحزن، ﴿بِضَآرِّهِمْ﴾ : أي المؤمنين، ﴿إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ : أي بمشيئته، فيقضي بالقتل أو الغلبة. وقال ابن زيد : هي نجوى قوم من المسلمين يقصدون مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلّم، وليس لهم حاجة ولا ضرورة. يريدون التبجح بذلك، فيظن المسلمون أن ذلك في أخبار بعد وقاصداً نحوه. وقال عطية العوفي : نزلت في المناجاة التي يراها المؤمن في النوم تسوءه، فكأنه نجوى يناجي بها. انتهى. ولا يناسب هذا القول ما قبل الآية ولا ما بعدها، وتقدمت القراءتان في نحو :﴿لِيَحْزُنَ﴾. وقرىء : بفتح الياء والزاي، فيكون ﴿الَّذِينَ﴾ فاعلاً، وفي القراءتين مفعولاً.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٩
ولما نهى تعالى المؤمنين عن ما هو سبب للتباغض والتنافر، أمرهم بما هو سبب للتواد والتقارب، فقال :﴿ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ الآية. قال مجاهد وقتادة والضحاك : كانوا يتنافسون في مجلس الرسول صلى الله عليه وسلّم، فأمروا أن يفسح بعضهم لبعض. وقال ابن عباس : المراد مجالس القتال إذا اصطفوا للحرب. وقال الحسن ويزيد بن أبي حبيب : كان الصحابة يتشاحون على الصف الأول، فلا يوسع بعضهم لبعض رغبة في الشهادة، فنزلت. وقرأ الجمهور :﴿تَفَسَّحُوا ﴾ ؛ وداود بن أبي هند وقتادة وعيسى : تفاسحوا. والجمهور : في المجلس ؛ وعاصم وقتادة وعيسى :﴿فِى الْمَجَـالِسِ﴾. وقرىء : في المجلس بفتح اللام، وهو الجلوس، أي توسعوا في جلوسكم ولا تتضايقوا فيه. والظاهر أن الحكم مطرد في المجالس التي للطاعات، وإن كان السبب مجلس الرسول. وقيل : الآية مخصوصة بمجلس الرسول عليه الصلاة والسلام، وكذا مجالس العلم ؛ ويؤيده قراءة من قرأ ﴿فِى الْمَجَـالِسِ﴾، ويتأول الجمع على أن لكل أحد مجلساً في بيت الرسول صلى الله عليه وسلّم. وانجزم ﴿يَفْسَحِ اللَّهُ﴾ على جواب الأمر في رحمته، أو في منازلكم في الجنة، أو في قبوركم، أو في قلوبكم، أو في الدنيا والآخرة، أقوال.
﴿وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا ﴾ : أي انهضوا في المجلس للتفسح، لأن مريد التوسعة على الوارد يرتفع إلى فوق فيتسع الموضع. أمروا أولاً
٢٣٦
بالتفسح، ثم ثانياً بامتثال الأمر فيه إذا ائتمروا. وقال الحسن وقتادة والضحاك : معناه : إذا دعوا إلى قتال وصلاة أو طاعة نهضوا. وقيل : إذا دعوا إلى القيام عن مجلس الرسول صلى الله عليه وسلّم نهضوا، إذ كان عليه الصلاة والسلام أحياناً يؤثر الانفراد في أمر الإسلام. وقرأ أبو جعفر وشيبة والأعرج وابن عامر ونافع وحفص : بضم السين في اللفظين ؛ والحسن والأعمش وطلحة وباقي السبعة : بكسرها. والظاهر أن قوله :﴿وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ معطوف على ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾، والعطف مشعر بالتغاير، وهو من عطف الصفات، والمعنى : يرفع الله المؤمنين العلماء درجات، فالوصفان لذات واحدة. وقال ابن مسعود وغيره : تم الكلام عند قوله :﴿مِنكُم﴾، وانتصب ﴿وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ بفعل مضمر تقديره : ويخص الذين أوتوا العلم درجات، فللمؤمنين رفع، وللعلماء درجات.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٩
وقرأ عياش عن أبي عمر وخبير : بما يعملون بالياء من تحت، والجمهور بالتاء.
قوله عز وجل ﴿يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نَـاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَىْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةًا ذَالِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُا فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * ءَأَشْفَقْتُمْ﴾.
﴿الَّذِينَ تَوَلَّوْا ﴾ :
٢٣٧


الصفحة التالية
Icon