﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ﴾ : من ذلك قصة الأنصاري مع ضيف الرسول صلى الله عليه وسلّم، حيث لم يكن لهم إلا ما يأكل الصبية، فأوهمهم أنه يأكل حتى أكل الضيف، فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام :"عجب الله من فعلكما البارحة"، فالآية مشيرة إلى ذلك. وروي غير ذلك في إيثارهم. والخصاصة : الفاقة، مأخوذة من خصاص البيت، وهو ما يبقى بين عيدانه من الفرج : والفتوح، فكأن حال الفقير هي كذلك، يتخللها النقص والاحتياج. وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة : شح بكسر الشين. والجمهور : بإسكان الواو وتخفيف القاف وضم الشين، والشح : اللؤم، وهو كزازة النفس على ما عندها، والحرص على المنع. قال الشاعر :
يمارس نفساً بين جنبيه كرةإذا همّ بالمعروف قالت له مهلاً
وأضيف الشح إلى النفس لأنه غريزة فيها. وقال تعالى :﴿وَأُحْضِرَتِ الانفُسُ الشُّحَّ﴾، وفي الحديث :"من أدّى الزكاة المفروضة وقرى الضيف وأعطى في النائبة فقد برىء من الشح". ﴿وَالَّذِينَ جَآءُو مِنا بَعْدِهِمْ﴾ : الظاهر أنه معطوف على ما قبله من المعطوف على المهاجرين. فقال الفراء : هم الفرقة الثالثة من الصحابة، وهو من آمن أو كفر في آخر مدّة النبي صلى الله عليه وسلّم. وقال الجمهور : أراد من يجيء من التابعين، فعلى القول الأول : يكون معنى ﴿مِنا بَعْدِهِمْ﴾ : أي من بعد المهاجرين والأنصار السابقين بالإيمان، وهؤلاء تأخر إيمانهم، أو سبق إيمانه وتأخرت وفاته حتى انقرض معظم المهاجرين والأنصار. وعلى
٢٤٧
القول الثاني : يكون معنى ﴿مِنا بَعْدِهِمْ﴾ : أي من بعد ممات المهاجرين، مهاجريهم وأنصارهم. وإذا كان ﴿وَالَّذِينَ﴾ معطوفاً على المجرور قبله، فالظاهر أنهم مشاركو من تقدّم في حكم الفيء.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٣٩
وقال مالك بن أوس : قرأ عمر ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَـاتُ لِلْفُقَرَآءِ﴾ الآية، فقال : هذه لهؤلاء، ثم قرأ :﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم﴾، فقال : وهذه لهؤلاء، ثم قرأ :﴿مَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ﴾ حتى بلغ ﴿لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَـاجِرِينَ﴾ إلى ﴿وَالَّذِينَ جَآءُو مِنا بَعْدِهِمْ﴾. ثم قال : لئن عشت لنؤتين الراعي، وهو يسير نصيبه منها. وعنه أيضاً : أنه استشار المهاجرين والأنصار فيما فتح الله عليه من ذلك في كلام كثير آخره أنه تلا :﴿مَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ﴾ الآية، فلما بلغ ﴿أُوالَئاِكَ هُمُ الصَّـادِقُونَ﴾ قال : هي لهؤلاء فقط، وتلا :﴿وَالَّذِينَ جَآءُو مِنا بَعْدِهِمْ﴾ الآية، إلى قوله :﴿رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ ؛ ثم قال : ما بقي أحد من أهل الإسلام إلا وقد دخل في ذلك. وقال عمر رضي الله تعالى عنه : لولا من يأتي من آخر الناس ما فتحت قرية إلا قسمتها، كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلّم خيبر. وقيل :﴿وَالَّذِينَ جَآءُو مِنا بَعْدِهِمْ﴾ مقطوع مما قبله، معطوف عطف الجمل، لا عطف المفردات ؛ فإعرابه :﴿وَالَّذِينَ﴾ مبتدأ، ندبوا بالدعاء للأولين، والثناء عليهم، وهم من يجيء بعد الصحابة إلى يوم القيامة، والخبر ﴿يَقُولُونَ﴾، أخبر تعالى عنهم بأنهم لإيمانهم ومحبة أسلافهم ﴿يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلاخْوَانِنَا﴾، وعلى القول الأول يكون ﴿يَقُولُونَ﴾ استئناف إخبار، قيل : أو حال.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٣٩


الصفحة التالية
Icon