﴿لا يَنْهَـاكُمُ اللَّهُ﴾ الآية، قال مجاهد : نزلت في قوم بمكة آمنوا ولم يهاجروا، فكانوا في رتبة سوء لتركهم فرض الهجرة. وقىل : في مؤمنين من أهل مكة وغيرها تركوا الهجرة. وقال الحسن وأبو صالح : في خزاعة وبين الحارث بن كعب وكنانة ومزينة وقبائل من العرب، كانوا مظاهرين للرسول محبين فيه وفي ظهوره. وقيل : فيمن لم يقاتل، ولا أخرج ولا أظهر سوأ من كفار قريش. وقال قرة الهمداني وعطية العوفي : في قوم من بني هاشم منهم العباس. وقال عبد الله بن الزبير : في النساء والصبيان من الكفرة. وقال النحاس والثعلبي : أراد المستضعفين من المؤمنين الذين لم يستطىعوا الهجرة. وقيل : قدمت على أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنه أمّها نفيلة بنت عبد العزى، وهي مشركة، بهدايا، فلم تقبلها ولم تأذن لها بالدخول، فنزلت الآية، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن تدخلها منزلها وتقبل منها وتكفيها وتحسن إليها. قال ابن عطية : وكانت المرأة فيما روي خالتها فسمتها أمّاً ؛ وفي التحرير : أن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه طلق امرأته نفيلة في الجاهلية، وهي أم أسماء بنت أبي بكر، فقدمت في المدة التي فيها الهدنة وأهدت إلى أسماء قرطاً وأشياء، فكرهت أن تقبل منها، فنزلت الآية. و﴿أَن تَبَرُّوهُمْ﴾، و﴿ءَانٍ﴾ بدلان مما قبلهما، بدل اشتمال.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٥١
قوله عز وجل :﴿يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا جَآءَكُمُ الْمُؤْمِنَـاتُ مُهَـاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّا اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَـانِهِنَّا فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَـاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِا لا هُنَّ﴾.
٢٥٥
كان صلح الحديبية قد تضمن أن من أتى أهل مكة من المسلمين لم يرد إليهم، ومن أتى المسلمين من أهل مكة رد إليهم، فجاءت أم كلثوم، وهي بنت عقبة بن أبي معيط، وهي أول امرأة هاجرت بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلّم في هدنة الحديبية، فخرج في أثرها أخواها عمارة والوليد، فقالا : يا محمد أوف لنا بشرطنا، فقالت : يا رسول الله حال النساء إلى الضعف، كما قد علمت، فتردني إلى الكفار يفتنوني عن ديني ولا صبر لي، فنقض الله العهد في النساء، وأنزل فيهن الآية، وحكم بحكم رضوه كلهم. وقيل : سبب نزولها سبيعة بنت الحارث الأسلمية، جاءت الحديبية مسلمة، فأقبل زوجها مسافر المخدومي. وقيل : صيفي بن الراهب، فقال : يا محمد اردد علي امرأتي، فإنك قد شرطت لنا أن ترد علينا من أتاك منا، وهذه طينة الكتاب لم تجف، فنزلت بياناً أن الشرط إنما كان في الرجال دون النساء. وذكر أبو نعيم الأصبهاني أن سبب نزولها أميمة بنت بشر بن عمرو بن عوف، امرأة حسان بن الدحداحة، وسماهن تعالى مؤمنات قبل أن يمتحن، وذلك لنطقهن بكلمة الشهادة، ولم يظهر منهن ما ينافي ذلك، أو لأنهن مشارفات لثبات إيمانهن بالامتحان.
وقرىء : مهاجرات بالرفع على البدل من المؤمنات، وامتحانهن، قالت عائشة : بآية المبايعة. وقيل : بأن بشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. وقال ابن عباس : بالحلف إنها ما خرجت إلا حباً لله ورسوله ورغبة في دين الإسلام. وقال ابن عباس أيضاً ومجاهد وقتادة وعكرمة : كانت تستحلف أنها ما هاجرت لبغض في زوجها، ولا لجريرة جرتها، ولا لسبب من أغراض الدنيا سوى حب الله ورسوله والدار الآخرة. ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَـانِهِنَّ﴾ : لأنه تعالى هو المطلع على أسرار القلوب ومخبآت العقائد، ﴿فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ﴾ : أطلق العلم على الظن الغالب بالحلف وظهور الإمارات بالخروج من الوطن، والحلول في قوم ليسوا من قومها، وبين انتفاء رجعهن إلى الكفار أزواجهن، وذلك هو التحريم بين المسلمة والكافر.
وقرأ طلحة : لا هن يحلان لهم، وانعقد التحريم بهذه الجملة، وجاء قوله :﴿وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾
٢٥٦
على سبيل التأكيد وتشديد الحرمة، لأنه إذا لم تحل المؤمنة للكافر، علم أنه لا حل بينهما البتة. وقيل : أفاد قوله :﴿وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾ استمرار الحكم بينهم فيما يستقبل، كما هو في الحال ما داموا على الإشراك وهن على الإيمان. ﴿يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ : أمر أن يعطي الزوج الكافر ما أنفق على زوجته إذا أسلمت، فلا يجمع عليه خسران الزوجية والمالية. قال ابن عباس : أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، بعد إمتحانها زوجها الكافر، ما أنفق عليها، فتزوجها عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وكان إذا امتحنهن، أعطى أزواجهن مهورهن. وقال قتادة : الحكم في رد الصداق إنما كان في نساء أهل العهد، فأما من لا عهد بينه وبين المسلمين، فلا يرد عليه الصداق، والأمر كما قال قتادة، ثم نفى الحرج في نكاح المؤمنين اياهن إذا آتوهن مهورهن، ثم أمر تعالى المؤمنين بفراق نسائهن الكوافر عوابد الأوثان.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٥١


الصفحة التالية
Icon