وقرأ الجمهور :﴿تُمْسِكُوا ﴾ مضارع أمسك، كأكرم ؛ وأبو عمرو ومجاهد : بخلاف عنه ؛ وابن جبير والحسن والأعرج : مضارع مسك مشدّداً ؛ والحسن أيضاً وابن أبي ليلى وابن عامر في رواية عبد الحميد وأبو عمرو في رواية معاذ : تمسكوا بفتح الثلاثة، مضارع تمسك محذوف الثاني بتمسكوا ؛ والحسن أيضاً : تمسكوا بكسر السين، مضارع مسك ثلاثياً. وقال الكرخي :﴿الْكَوَافِرِ﴾، يشمل الرجال والنساء، فقال له أبو علي الفارسي : النحويون لا يرون هذا إلا في النساء، جمع كافرة، وقال : أليس يقال : طائفة كافرة وفرقة كافرة ؟ قال أبو علي : فبهت فقلت : هذا تأييد. انتهى. وهذا الكرخي معتزلي فقيه، وأبو علي معتزلي، فأعجبه هذا التخريج، وليس بشيء لأنه لا يقال كافرة في وصف الرجال إلا تابعاً لموصوفها، أو يكون محذوفاً مراداً، أما بغير ذلك فلا يجمع فاعلة على فواعل إلا ويكون للمؤنث. والعصم جمع عصمة، وهي سبب البقاء في الزوجية. ﴿يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ : أي واسألوا الكافرين ما أنفقتم على أزواجكم إذا فروا إليهم، ﴿وَلْيَسْـاَلُوا ﴾ : أي الكفار ما أنفقوا على أزواجهم إذ فروا إلى المؤمنين.
ولما تقرر هذا الحكم، قالت قريش، فيما روي : لا نرضى هذا الحكم ولا نلتزمه ولا ندفع لأحد صداقاً، فنزلت بسبب ذلك هذه الآية الأخرى :﴿وَإِن فَاتَكُمْ﴾، فأمر تعالى المؤمنين أن يدفعوا من فرت زوجته من المسلمين، ففاتت بنفسها إلى الكفار وانقلبت من الإسلام، ما كان مهرها. قال الزمخشري : فإن قلت : هل لإيقاع شيء في هذا الموضوع فائدة ؟ قلت : نعم، الفائدة فيه أن لا يغادر شيء من هذا الجنس، وإن قل وحقر، غير معوض منه تغليظاً في هذا الحكم وتشديداً فيه. انتهى. واللاتي ارتددن من نساء المهاجرين ولحقن بالكفار : أم الحكم بنت أبي سفيان، زوج عياض بن شداد الفهري ؛ وأخت أم سلمة فاطمة بنت أبي أمية، زوج عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ؛ وعبدة بنت عبد العزى، زوج هشام بن العاصي ؛ وأم كلثوم بنت جرول، زوج عمر أيضاً. وذكر الزمخشري أنهن ست، فذكر : أم الحكم، وفاطمة بنت أبي أمية زوج عمر بن الخطاب، وعبدة وذكر أن زوجها عمرو بن ود، وكلثوم، وبروع بنت عقبة كانت تحت شماس بن عثمان، وهند بنت أبي جهل كانت تحت هشام بن العاصي، أعطى أزواجهن رسول الله صلى الله عليه وسلّم مهورهن من الغنيمة.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٥١
وقرأ الجمهور ﴿فَعَاقَبْتُمْ﴾ بألف ؛ ومجاهد والزهري والأعرج وعكرمة وحميد وأبو حيوة والزعفراني : بشد القاف ؛ والنخعي والأعرج أيضاً وأبو حيوة أيضاً والزهري أيضاً وابن وثاب : بخلاف عنه بخف القاف مفتوحة ؛ ومسروق والنخعي أيضاً والزهري أيضاً : بكسرها ؛ ومجاهد أيضاً : فاعقبتم على وزن افعل، يقال : عاقب الرجل صاحبه في كذا، أي جاء فعل كل واحد منهما يعقب فعل الآخر، ويقال : أعقب، قال :
٢٥٧
وحادرت البلد الحلاد ولم يكنلعقبة قدر المستعيرين يعقب
وعقب : أصاب عقبى، والتعقيب : غزو إثر غزو، وعقب بفتح القاف وكسرها مخففاً. وقال الزمخشري : فعاقبتم من العقبة، وهي النوبة. شبه ما حكم به على المسلمين والكافرين من أداء هؤلاء مهور نساء أولئك تارة، وأولئك مهور نساء هؤلاء أخرى، بأمر يتعاقبون فيه، كما يتعاقب في الركوب وغيره، ومعناه : فجاءت عقبتكم من أداء المهر. ﴿فَـاَاتُوا ﴾ من فاتته امرأته إلى الكفار مثل مهرها من مهر المهاجرة، ولا يؤتوه زوجها الكافر، وهكذا عن الزهري، يعطي من صداق من لحق بهم. ومعنى أعقبتم : دخلتم في العقبة، وعقبتم من عقبه إذا قفاه، لأن كل واحد من المتعاقبين يقفي صاحبه، وكذلك عقبتم بالتخفيف، يقال : عقبه يعقبه. انتهى. وقال الزجاج : فعاقبتم : قاضيتموهم في القتال بعقوبة حتى غنمتم، وفسر غيرها من القراءات : لكانت العقبى لكم : أي كانت الغلبة لكم حتى غنمتم والكفار من قوله :﴿إِلَى الْكُفَّارِ﴾، ظاهره العموم في جميع الكفار، قاله قتادة ومجاهد. قال قتادة : ثم نسخ هذا الحكم. وقال ابن عباس : يعطى من الغنيمة قبل أن تخمس. وقال الزهري : من مال الفيء ؛ وعنه : من صداق من لحق بنا. وقيل : الكفار مخصوص بأهل العهد. وقال الزهري : اقتطع هذا يوم الفتح. وقال الثوري : لا يعمل به اليوم. وقال مقاتل : كان في عهد الرسول فنسخ. وقال ابن عطية : هذه الآية كلها قد ارتفع حكمها. وقال أبو بكر بن العربي القاضي : كان هذا حكم الله مخصوصاً بذلك الزمان في تلك النازلة بإجماع الأمة. وقال القشيري : قال قوم هو ثابت الحكم إلى الآن.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٥١