﴿وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ﴾ : أي أطلعه، أي على إفشائه، وكان قد تكوتم فيه، وذلك بإخبار جبريل عليه السلام. وجاءت الكناية هنا عن التفشية والحذف للمفشى إليها بالسر، حياطة وصوناً عن التصريح بالاسم، إذ لا يتعلق بالتصريح بالاسم غرض. وقرأ الجمهور :﴿عَرَّفَ﴾ بشد الرّاء، والمعنى : أعلم به وأنب عليه. وقرأ السلمي والحسن وقتادة وطلحة والكسائي وأبو عمرو في رواية هارون عنه : بخف الراء، أي جازى بالعتب واللوم، كما تقول لمن يؤذيك : لأعرفن لك ذلك، أي لأجازينك. وقيل : إنه طلق حفصة وأمر بمراجعتها. وقيل : عاتبها ولم يطلقها. وقرأ ابن المسيب وعكرمة : عراف بألف بعد الراء، وهي إشباع. وقال ابن خالويه : ويقال إنها لغة يمانية، ومثالها قوله :
أعوذ بالله من العقرابالشائلات عقد الأذناب
يريد : من العقرب. ﴿وَأَعْرَضَ عَنا بَعْضٍ﴾ : أي تكرماً وحياء وحسن عشرة. قال الحسن : ما استقصى كريم قط. وقال سفيان : ما زال التغافل من فعل الكرام، ومفعول عرّف المشدد محذوف، أي عرّفها بعضه، أي أعلم ببعض الحديث. وقيل : المعرّف خلافة الشيخين، والذي أعرض عنه حديث مارية. ولما أفشت حفصة الحديث لعائشة واكتتمتها إياه، ونبأها الرسول الله صلى الله عليه وسلّم به، ظنت أن عائشة فضحتها فقالت :﴿مَنْ أَنابَأَكَ هذا ﴾ على سبيل التثبت، فأخبرها أن الله هو الذي نبأه به، فسكنت وسلمت. ﴿إِن تَتُوبَآ إِلَى اللَّهِ﴾ : انتقال من غيبة إلى خطاب، ويسمى الالتفات والخطاب لحفصة وعائشة. ﴿فَوْقَهُمْ صَـا فَّـاتٍ﴾ : مالت عن الصواب، وفي حرف عبد الله : راغت، وأتى بالجمع في قوله :﴿قُلُوبُكُمَا ﴾، وحسن ذلك
٢٩٠
إضافته إلى مثنى، وهو ضميراهما، والجمع في مثل هذا أكثر استعمالاً من المثنى، والتثنية دون الجمع، كما قال الشاعر :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٨
فتخالسا نفسيهما بنوافذكنوافذ العبط التي لا ترفع
وهذا كان القياس، وذلك أن يعبر بالمثنى عن المثنى، لكن كرهوا اجتماع تثنيتين فعدلوا إلى الجمع، لأن التثنية جمع في المعنى، والإفراد لا يجوز عند أصحابنا إلا في الشعر، كقوله :
حمامة بطن الواديين ترنمي
يريد : بطني. وغلط ابن مالك فقال في كتاب التسهيل : ونختار لفظ الإفراد على لفظ التثنية. وقرأ الجمهور : تظاهرا بشد الظاء، وأصله تتظاهرا، وأدغمت التاء في الظاء، وبالأصل قرأ عكرمة، وبتخفيف الظاء قرأ أبو رجاء والحسن وطلحة وعاصم ونافع في رواية، وبشد الظاء والهاء دون ألف قرأ أبو عمرو في رواية، والمعنى : وأن تتعاونا عليه في إفشاء سره والإفراط في الغيرة، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَـاهُ﴾ : أي مظاهره ومعينه، والأحسن الوقف على قوله :﴿مَوْلَـاهُ﴾. ويكون ﴿وَجِبْرِيلُ﴾ مبتدأ، وما بعده معطوف عليه، والخبر ﴿ظَهِيرٌ﴾. فيكون ابتداء الجملة بجبريل، وهو أمين وحي الله واختتامه بالملائكة. وبدىء بجبريل، وأفرد بالذكر تعظيماً له وإظهاراً لمكانته عند الله. ويكون قد ذكر مرتين، مرة بالنص ومرة في العموم. واكتنف صالح المؤمنين جبريل تشريفاً لهم واعتناء بهم، إذ جعلهم بين الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون. فعلى هذا جبريل داخل في الظهراء لا في الولاية، ويختص الرسول بأن الله هو مولاه. وجوزوا أن يكون ﴿وَجِبْرِيلُ وَصَـالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ عطفاً على اسم الله، فيدخلان في الولاية، ويكون ﴿وَالْمَلَئاِكَةُ﴾ مبتدأ، والخبر ﴿ظَهِيرٌ﴾، فيكون جبريل داخلاً في الولاية بالنص، وفي الظهراء بالعموم، والظاهر عموم وصالح المؤمنين فيشمل كل صالح. وقال قتادة والعلاء بن العلاء بن زيد : هم الأنبياء، وتكون مظاهرتهم له كونهم قدوة، فهم ظهراء بهذا المعنى. وقال عكرمة والضحاك وابن جبير ومجاهد : المراد أبو بكر وعمر، وزاد مجاهد : وعلي بن أبي طالب. وقيل : الصحابة. وقيل : الخلفاء. وعن ابن جبير : من يرىء من النفاق، وصالح يحتمل أن يراد به الجمع، وإن كان مفرداً فيكون كالسامر في قوله :﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِا سَـامِرًا﴾، أي سماراً. ويحتمل أن يكون جمعاً حذفت منه الواو خطأ لحذفها لفظاً، كقوله :﴿سَنَدْعُ﴾، وأفرد الظهير لأن المراد فوج ظهير، وكثيراً ما يأتي فعيل نحو : هذا للمفرد والمثنى والمجموع بلفظ المفرد، كأنهم في الظاهرة يد واحدة على من يعاديه، فما قد تظاهر امرأتين على من هؤلاء ظهراؤه، وذلك إشارة إلى تظاهرهما، أو إلى الولاية.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٨