وقرأ الجمهور : بسكون الحاء ؛ وعلي وأبو جعفر والكسائي، بخلاف عن أبي الحرث عنه : بضمها. قال ابن عطية :﴿فَسُحْقًا﴾ : نصباً على جهة الدعاء عليهم، وجاز ذلك فيه، وهو من قبل الله تعالى من حيث هذا القول فيهم مستقر أولاً، ووجوده لم يقع إلا في الآخرة، فكأنه لذلك في حيز المتوقع الذي يدعى به، كما تقول : سحقاً لزيد وبعداً، والنصب في هذا كله بإضمار فعل، وإن وقع وثبت، فالوجه فيه الرفع، كما قال تعالى :﴿وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ﴾، و﴿سَلَـامٌ عَلَيْكُمُ﴾، وغير هذا من الأمثلة. انتهى. ﴿يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ﴾ : أي الذي أخبروا به من أمر المعاد وأحواله، أو غائبين عن أعين الناس، أي في خلواتهم، كقوله : ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه. ﴿وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ﴾ : خطاب لجميع الخلق. قال ابن عباس : وسببه أن بعض المشركين قال لبعض : أسروا قولكم لا يسمعكم إله محمد. ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ﴾ : الهمزة للاستفهام ولا للنفي، والظاهر أن من مفعول، والمعنى : أينتفي علمه بمن خلق، وهو الذي لطف علمه ودق وأحاط بخفيات الأمور وجلياتها ؟ وأجاز بعض النحاة أن يكون من فاعلاً والمفعول محذوف، كأنه قال : ألا يعلم الخالق سركم وجهركم ؟ وهو استفهام معناه الإنكار، أي كيف لا يعلم ما تكلم به من خلق الأشياء وأوجدها من العدم الصرف وحاله أنه اللطيف الخبير المتوصل علمه إلى ما ظهر من خلقه وما بطن ؟
﴿هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الارْضَ ذَلُولا﴾ : منة منه تعالى بذلك، والذلول فعول للمبالغة، من ذلك تقول : دابة ذلول : بينة الذل، ورجل ذليل : بين الذل. وقال ابن عطية : والذلول فعول بمعنى مفعول، أي مذلولة، فهي كركوب وحلوب. انتهى. وليس بمعنى مفعول لأن فعله قاصر، وإنما تعدى
٣٠٠
بالهمزة كقوله :﴿وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ﴾، وأما بالتضعيف لقوله :﴿وَذَلَّلْنَـاهَا لَهُمْ﴾، وقوله : أي مذلولة يظهر أنه خطأ. ﴿فَامْشُوا فِى مَنَاكِبِهَا﴾ : أمر بالتصرف فيها والاكتساب ؛ ومناكبها، قال ابن عباس وقتادة وبشر بن كعب : أطرافها، وهي الجبال. وقال الفراء والكلبي ومنذر بن سعيد : جوانبها، ومنكبا الرجل : جانباه. وقال الحسن والسدي : طرفها وفجاجها. قال الزمخشري : والمشي في مناكبها مثل لفرط التذليل ومجازوته الغاية، لأن المنكبين وملتقاهما من الغارب أرق شيء من البعير وأنبأه عن أن يطأه الراكب بقدمه ويعتمد عليه، فإذا جعلها في الذل بحيث يمشي في مناكبها لم ينزل. انتهى. وقال الزجاج : سهل لكم السلوك في جبالها فهو أبلغ التذليل. ﴿وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ : أي البعث، فسألكم عن شكر هذه النعمة عليكم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٩٦
وقوله عز وجل :﴿ءَأَمِنتُم مَّن فِى السَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الارْضَ فَإِذَا هِىَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُم مَّن فِى السَّمَآءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ * وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ * أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَـا فَّـاتٍ وَيَقْبِضْنَا مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا الرَّحْمَـانُا إِنَّه بِكُلِّ شَىْءا بَصِيرٌ * أَمَّنْ هذا الَّذِى هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَـانِا إِنِ الْكَـافِرُونَ إِلا فِى غُرُورٍ * أَمَّنْ هذا الَّذِى يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُا بَل لَّجُّوا فِى عُتُوٍّ وَنُفُورٍ * أَفَمَن يَمْشِى مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِا أَهْدَى أَمَّن يَمْشِى سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * قُلْ هُوَ الَّذِى أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالابْصَـارَ وَالافْـاِدَةَا قَلِيلا مَّا تَشْكُرُونَ * قُلْ هُوَ الَّذِى ذَرَأَكُمْ فِى الارْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَيَقُولُونَ مَتَى هذا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ * قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ * فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيائَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذا الَّذِى كُنتُم بِهِا تَدَّعُونَ * قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِىَ اللَّهُ وَمَن مَّعِىَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الْكَـافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * قُلْ هُوَ الرَّحْمَـانُ ءَامَنَّا بِهِا وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِى ضَلَـالٍ مُّبِينٍ * قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَآءٍ مَّعِين﴾.


الصفحة التالية
Icon