أي لا يقطع. وقال مجاهد : غير محسوب. وقال الحسن : غير مكدر بالمن. وقال الضحاك : بغير عمل. وقيل : غير مقدر، وهو معنى قول مجاهد. وقال الزمخشري : أو غير ممنون عليك، لأن ثواب تستوجبه على عملك وليس بتفضل ابتداء، وإنما تمن الفواصل لا الأجور على الأعمال. انتهى، وفيه دسيسة الاعتزال. ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، قال ابن عباس ومجاهد : دين عظيم ليس دين أحب إلى الله تعالى منه. وقالت عائشة : إن خلقه كان القرآن. وقال علي : هو أدب القرآن. وقال قتادة : ما كان يأتمر به من أمر الله تعالى. وقيل : سمي عظيماً لاجتماع مكارم الأخلاق فيه، من كرم السجية، ونزاهة القريحة، والملكة الجميلة، وجودة الضرائب ؛ ما دعاه أحد إلا قال لبيك، وقال :"إن الله بعثني لأتمم مكارم الأخلاق"، ووصى أبا ذر فقال :"وخالق الناس بخلق حسن".
٣٠٨
وعنه صلى الله عليه وسلّم :"ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من خلق حسن". وقال :"أحبكم إلى الله تعالى أحسنكم أخلاقاً". والظاهر تعلق ﴿بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ﴾ بما قبله. وقال عثمان المازني : تم الكلام في قوله ﴿وَيُبْصِرُونَ﴾، ثم استأنف قوله :﴿بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ﴾. انتهى. فيكون قوله :﴿بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ﴾ استفهاماً يراد به الترداد بين أمرين، ومعلوم نفي الحكم عن أحدهما، ويعينه الوجود، وهو المؤمن، ليس بمفتون ولا به فتون. وإذا كان متعلقاً بما قبله، وهو قول الجمهور، فقال قتادة وأبو عبيدة معمر : الباء زائدة، والمعنى : أيكم المفتون ؟ وزيدت الباء في المبتدأ، كما زيدت فيه في قوله : بحسبك درهم، أي حسبك. وقال الحسن والضحاك والأخفش : الباء ليست بزائدة، والمفتون بمعنى الفتنة، أي بأيكم هي الفتنة والفساد الذي سموه جنوناً ؟ وقال الأخفش أيضاً : بأيكم فتن المفتون، حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. ففي قوله الأول جعل المفتون مصدراً، وهنا أبقاه اسم مفعول وتأوله على حذف مضاف. وقال مجاهد والفراء : الباء بمعنى في، أي في أيّ فريق منكم النوع المفتون ؟ انتهى. فالباء ظرفية، نحو : زيد بالبصرة، أي في البصرة، فيظهر من هذا القول أن الباء في القول قبله ليست ظرفية، بل هي سببية. وقال الزمخشري : المفتون : المجنون لأنه فتن، أي محن بالجنون، أو لأن العرب يزعمون أنه من تخييل الجن، وهم الفتان للفتاك منهم. انتهى. وقرأ ابن أبي عبلة : في أيكم المفتون.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٠٤
﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ﴾ : وعيد للضال، وهم المجانين على الحقيقة، حيث كانت لهم عقول لم ينتفعوا بها، ولا استعملوها فيما جاءت به الرسل، أو يكون أعلم كناية عن جزاء الفريقين. ﴿فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ﴾ : أي الذين كذبوا بما أنزل الله عليك من الوحي، وهذا نهي عن طواعيتهم في شيء مما دعوه إليه من تعظيم آلهتهم. ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ﴾ : لو هنا على رأي البصريين مصدرية بمعنى أن، أي ودوا ادهانكم، وتقدم الكلام في ذلك في قوله تعالى :﴿يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾، ومذهب الجمهور أن معمول ود محذوف، أي ودوا ادهانكم، وحذف لدلالة ما بعده عليه، ولو باقية على بابها من كونها حرفاً لما كان سيقع لوقوع غيره، وجوابها محذوف تقديره لسروا بذلك. وقال ابن عباس والضحاك وعطية والسدي : لو تدهن : لو تكفر، فيتمادون على كفرهم. وعن ابن عباس أيضاً : لو ترخص لهم فيرخصون لك. وقال قتادة : لو تذهب عن هذا الأمر فيذهبون معك. وقال الحسن : لو تصانعهم في دينك فيصانعوك في دينهم. وقال زيد بن أسلم : لو تنافق وترائي فينافقونك ويراؤونك. وقال الربيع بن أنس : لو تكذب فيكذبون. وقال أبو جعفر : لو تضعف فيضعون. وقال الكلبي والفراء : لو تلين فيلينون. وقال أبان بن ثعلب : لو تحابي فيحابون، وقالوا غير هذه الأقوال. وقال الفراء : الدهان : التليين. وقال المفضل : النفاق وترك المناصحة، وهذا نقل أهل اللغة، وما قالوه لا يخرج عن ذلك لأن ما خالف ذلك هو تفسير باللازم، وفيدهنون عطف على تدهن. وقال الزمخشري : عدل به إلى طريق آخر، وهو أن جعل خبر مبتدأ محذوف، أي فهم يدهنون كقوله :﴿فَمَنا يُؤْمِن بِرَبِّهِا فَلا يَخَافُ﴾، بمعنى ودوا لو تدهن فهم يدهنون حينئذ، أو ودوا ادهانك فهم الآن يدهنون لطمعهم في ادهانك. انتهى. وجمهور المصاحف على إثبات النون. وقال هارون : إنه في بعض المصاحف فيدهنوا، ولنصبه وجهان : أحدهما أنه جواب ودوا لتضمنه معنى ليت ؛ والثاني أنه على توهم أنه نطق بأن، أي ودوا أن تدهن فيدهنوا، فيكون عطفاً على التوهم، ولا يجيء هذا الوجه إلا على قول من جعل لو مصدرية بمعنى أن.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٠٤
﴿وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَّهِينٍ﴾ : تقدّم تفسير مهين وما بعده في المفردات، وجاءت هذه الصفات صفات مبالغة، ونوسب فيها فجاء ﴿حَلافٍ﴾ وبعده ﴿مَّهِينٍ﴾، لأن النون فيها مع الميم تواخ. ثم جاء :﴿هَمَّازٍ مَّشَّآءا بِنَمِيمٍ﴾ بصفتي
٣٠٩