وحسن الفتى في الأنف والأنف عاطلفكيف إذا ما الخال كان له حليا
وسنسمه فعل مستقبل لم يتعين زمانه. وقال ابن عباس : هو الضرب بالسيف، أي يضرب به وجهه وعلى أنفه، فيجيء ذلك كالوسم على الانف، وحل به ذلك يوم بدر. وقال المبرد : ذلك في عذاب الآخرة في جهنم، وهو تعذيب بنار على أنوفهم. وقال آخرون : ذلك يوم القيامة، أي نوسم على أنفه بسمة يعرف بها كفره وانحطاط قدره. وقال قتادة وغيره : معناه سنفعل به في الدنيا من الذم والمقت والاشتهار بالشر ما يبقى فيه ولا يخفى به، فيكون ذلك كالوسم على الأنف ثابتاً بيناً، كما تقول : سأطوقك طوق الحمامة : أي أثبت لك الأمر بيناً فيك، ونحو هذا أراد جرير بقوله :
لما وضعت على الفرزدق ميسمي
وفي الوسم على الأنف تشويه، فجاءت استعارته في المذمات بليغة جدّاً. قال ابن عطية : وإذا تأملت حال أبي جهل ونظرائه، وما ثبت لهم في الدنيا من سوء الأخروية، رأيت أنهم قد وسموا على الخراطيم. انتهى. وقال أبو العالية ومقاتل، واختاره الفراء : يسود وجهه قبل دخول النار، وذكر الخرطوم، والمراد الوجه، لأن بعض الوجه يؤدي عن بعض. وقال أبو عبد الله الرازي : إنما بالغ الكافر في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلّم بسبب الأنفة والحمية، فلما كان شاهد الإنكار هو الأنفة والحمية، عبر عن هذا الاختصاص بقوله :﴿سَنَسِمُه عَلَى الْخُرْطُومِ﴾. انتهى كلامه. وفي استعارة الخرطوم مكان الأنف استهانة واستخفاف، لأن حقيقة الخرطوم هو للسباع. وتلخص من هذا أن قوله :﴿سَنَسِمُه عَلَى الْخُرْطُومِ﴾، أهو حقيقة أم مجاز ؟ وإذا كان حقيقة، فهل ذلك في الدنيا أو في الآخرة ؟ وأبعد النضر بن شميل في تفسيره الخرطوم بالخمر، وأن معناه سنحده على شربها.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٠٤
ولما ذكر المتصف بتلك الأوصاف الذميمة، وهم كفار قريش، أخبر تعالى بما حل بهم من الابتلاء بالقحط والجوع بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلّم :"اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف" الحديث، كما بلونا أصحاب الجنة المعروف خبرها عندهم. كانت بأرض اليمين بالقرب منهم قريباً من صنعاء لرجل كان يؤدي حق الله منها، فمات فصارت إلى ولده، فمنعوا الناس خيرها وبخلوا بحق الله تعالى، فأهلكها الله تعالى من حيث لم يمكنهم دفع ما حل بهم. وقيل : كانت بصوران على فراسخ من صنعاء لناس بعد رفع عيسى عليه السلام، وكان صاحبها ينزل للمساكنين ما أخطأه المنجل وما في أسفل الأكراس وما أخطاه القطاف من العنب وما بقي على السباط تحت النخلة إذا صرمت، فكان يجتمع لهم شيء كثير. فلما مات قال بنوه : إن فعلنا ما كان يفعل أبونا ضاق علينا الأمر ونحن أولو عيال، فحلفوا ﴿لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ﴾ في السدف خفية من المساكين، ولم يستثنوا في يمينهم ؛ والكاف في ﴿كَمَا بَلَوْنَآ﴾ في موضع نصب، وما مصدرية. وقيل : بمعنى
٣١١
الذي، وإذ معمول لبلوناهم ليصرمنها جواب القسم لا على منطوقهم، إذ لو كان على منطوقهم لكان لنصرمنها بنون المتكلمين، والمعنى : ليجدن ثمرها إذا دخلوا في الصباح قبل خروج المساكين إلى عادتهم مع أبيهم. ﴿وَلا يَسْتَثْنُونَ﴾ : أي ولا ينثنون عن ما عزموا عليه من منع المساكين. وقال مجاهد : معناه : لا يقولون إن شاء الله، بل عزموا على ذلك عزم من يملك أمره. وقال الزمخشري، متبعاً قول مجاهد : ولا يقولون إن شاء الله. فإن قلت : لم سمي استثناء، وإنما هو شرط ؟ قلت : لأنه يؤدي مؤدّى الاستثناء من حيث أن معنى قولك : لأخرجن إن شاء الله، ولا أخرج إلا أن يشاء الله واحد. انتهى.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٠٤