﴿فَلَمَّا رَأَوْهَا﴾ : أي على الحالة التي كانوا غدوها عليها، من هلاكها وذهاب ما فيها من الخير، ﴿قَالُوا إِنَّا لَضَآلُّونَ﴾ : أي عن الطريق إليها، قاله قتادة. وذلك في أول وصولهم أنكروا أنها هي، واعتقدوا أنهم أخطأوا الطريق إليها، ثم وضح لهم أنها هي، وأنه أصابها من عذاب الله ما أذهب خيرها. وقيل : لضالون عن الصواب في غدونا على نية منع المساكين، فقالوا :﴿بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾ خيرها بخيانتنا على أنفسنا. ﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ﴾ : أي أفضلهم وأرجحهم عقلاً، ﴿أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ﴾ : أنبهم ووبخهم على تركهم ما حضهم عليه من تسبيح الله، أي ذكره وتنزيهه عن السوء، ولو ذكروا الله وإحسانه إليهم لامتثلوا ما أمر به من مواساة المساكين واقتفوا سنة أبيهم في ذلك. فلما غفلوا عن ذكر الله تعالى وعزموا على منع المساكين، ابتلاهم الله، وهذا يدل على أن أوسطهم كان قد تقدم إليهم وحرضهم على ذكر الله تعالى. وقال مجاهد وأبو صالح : كان استثناؤهم سبحان الله. قال النحاس : جعل مجاهد التسبيح موضع إن شاء الله، لأن المعنى تنزيه الله أن يكون شيء إلا بمشيئته. وقال الزمخشري : لالتقائهما في معنى التعظيم لله، لأن الاستثناء تفويض إليه، والتسبيح تنزيه له، وكل واحد من التفويض والتنزيه تعظيم له. وقيل :﴿لَوْلا تُسَبِّحُونَ﴾ : تستغفرون.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٠٤
ولما انبهم، رجعوا إلى ذكر الله تعالى، واعترفوا على أنفسهم بالظلم، وبادروا إلى تسبح الله تعالى فقالوا :﴿سُبْحَانَ رَبِّنَآ﴾. قال ابن عباس : أي نستغفر الله من ذنبنا. ولما أقروا بظلمهم، لام بعضهم بعضاً، وجعل اللوم في حيز غيره، إذ كان منهم من زين، ومنهم من قبل، ومنهم من أمر بالكف، ومنهم من عصى الأمر. ومنهم من سكت على رضا منه. ثم اعترفوا بأنهم طغوا، وترجوا انتظار الفرج في أن يبدلهم خيراً من تلك الجنة، ﴿عَسَى رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا﴾ : أي بهذه الجنة، ﴿خَيْرٌ مِّنْهَا ﴾ : وتقدم الكلام في الكهف، والخلاف في تخفيف يبدلنا، وتثقيلها منسوباً إلى القراء. ﴿إِنَّآ إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ﴾ : أي طالبون إيصال الخير إلينا منه. والظاهر أن أصحاب هذه الجنة كانوا مؤمنين أصابوا معصية وتابوا. وقيل : كانوا من أهل الكتاب. وقال عبد الله بن مسعود : بلغني أن القوم دعوا الله وأخلصوا، وعلم الله منهم الصدق فأبدلهم بها جنة، وكل عنقود منها كالرجل الأسود القائم. وعن مجاهد : تابوا فأبدوا خيراً منها. وقال القشيري : المعظم يقولون أنهم تابوا وأخلصوا. انتهى. وتوقف الحسن في كونهم مؤمنين وقال : أكان قولهم :﴿إِنَّآ إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ﴾ إيماناً، أو على حد ما يكون من المشركين إذا أصابتهم الشدة ؟.
﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ﴾ : هذا خطاب للرسول صلى الله عليه وسلّم في أمر قريش. قال ابن عطية : والإشارة بذلك إلى العذاب الذي نزل بالجنة، أي ﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ﴾ : أي الذي نزل بقريش بغتة، ثم عذاب الآخرة بعد ذلك أشد عليهم من عذاب الدنيا. وقال كثير من المفسرين : العذاب النازل بقريش الممائل لأمر الجنة هو الجدب الذي أصابهم سبع سنين حتى رأوا الدخان وأكلوا الجلود. انتهى. وقال الزمخشري : مثل ذلك العذاب الذي بلونا به أهل مكة وأصحاب الجنة عذاب الدنيا. ﴿وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ﴾ أشد وأعظم منه. انتهى. وتشبيه بلاء قريش ببلاء أصحاب الجنة هو أن أصحاب الجنة عزموا على الانتفاع بثمرها وحرمان المساكين، فقلب الله تعالى عليهم وحرمهم. وأن قريشاً حين خرجوا إلى بدر حلفوا على قتل الرسول صلى الله عليه وسلّم وأصحابه، فإذا فعلوا
٣١٣
ذلك رجعوا إلى مكة وطافوا بالكعبة وشربوا الخمور، فقلب الله عليهم بأن قتلوا وأسروا. ولما عذبهم بذلك في الدنيا قال :﴿وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ﴾.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٠٤