ولو كان غير اسم استفهام لتعدى إليه بعن أو بالباء، كما تقول : سل زيداً عن من ينظر في كذا، ولكنه علق سلهم، فالجملة في موضع نصب. وقرأ الجمهور :﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ فَلْيَأتُوا بِشُرَكَآاِهِمْ﴾ ؛ وعبد الله وابن أبي عبلة : فليأتوا بشركهم، قيل : والمراد في القراءتين الأصنام أو ناس يشاركونهم في قولهم ويوافقونهم فيه، أي لا أحد يقول بقولهم، كما أنه لا كتاب لهم، ولا عهد من الله، ولا زعيم بذلك، ﴿فَلْيَأتُوا بِشُرَكَآاِهِمْ﴾ : هذا استدعاء وتوقيف. قيل : في الدنيا أي ليحضروهم حتى ترى هل هم بحال من يضر وينفع أم لا. وقيل : في الآخرة، على أن يأتوا بهم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٠٤
﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ﴾ : وعلى هذا القول الناصب ليوم فليأتوا. وقيل : اذكر، وقيل التقدير : يوم يكشف عن ساق كان كيت وكيت، وحذف للتهويل العظيم بما يكون فيه من الحوادث ؛ والظاهر وقول الجمهور : إن هذا اليوم هو يوم القيامة.
٣١٥
وقال أبو مسلم : هذا اليوم هو في الدنيا لأنه قال :﴿وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ﴾، ويوم القيامة ليس فيه تعبد ولا تكليف، بل المراد منه إما آخر أيام الرجل في دنياه لقوله :﴿يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَئاِكَةَ لا بُشْرَى ﴾، ثم يرى الناس يدعون إلى الصلاة إذا حضرت أوقاتها، فلا يستطيع الصلاة لأنه الوقت الذي لا ينفع فيه نفساً إيمانها ؛ وإما حال المرض والهرم والمعجزة. ﴿وَقَدْ كَانُوا ﴾ قبل ذلك اليوم، ﴿يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَـالِمُونَ﴾ مما بهم الآن. فذلك إما لشدة النازلة بهم من هول ما عاينوا عند الموت، وإما من العجز والهرم. وأجيب بأن الدعاء إلى السجود ليس على سبيل التكليف، بل على سبيل التقريع والتخجيل. وعند ما يدعون إلى السجود، سلبوا القدرة عليه، وحيل بينهم وبين الاستطاعة حتى يزداد حزنهم وندامتهم على ما فرطوا فيه حين دعوا إليه وهم سالمون الأطراف والمفاصل. وقرأ الجمهور :﴿يُكْشَفُ﴾ بالياء مبنياً للمفعول. وقرأ عبد الله بن أبي عبلة : بفتح الياء مبنياً للفاعل ؛ وابن عباس وابن مسعود أيضاً وابن هرمز : بالنون ؛ وابن عباس : يكشف بفتح الياء منبياً للفاعل ؛ وعنه أيضاً بالياء مضمومة مبنياً للمفعول. وقرىء : يكشف بالياء المضمومة وكسر الشين، من أكشف إذا دخل في الكشف، ومنه أكشف الرجل : انقلبت شفته العليا، وكشف الساق كناية عن شدة الأمر وتفاقمه. قال مجاهد : هي أول ساعة من يوم القيامة وهي أفظعها. ومما جاء في الحديث من قوله :"فيكشف لهم عن ساق"، محمول أيضاً على الشدة في ذلك اليوم، وهو مجاز شائع في لسان العرب. قال حاتم :
أخو الحرب إن عضت به الحرب عضهاوإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا
وقال الراجز :
عجبت من نفسي ومن إشفاقهاومن طرادي الخيل عن أرزاقها
في سنة قد كشفت عن ساقهاحمراء تبري اللحم عن عراقها
وقال الراجز :
قد شمرت عن ساقها فشدواوجدّت الحرب بكم فجدوا
وقال آخر :
صبراً امام إن شرباقوقامت الحرب بنا على ساق
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٠٤
وقال الشاعر :
كشفت لهم عن ساقهاوبدا من الشر البوا
ويروى : الصداح. وقال ابن عباس : يوم يكشف عن شدة. وقال أبو عبيدة : هذه كلمة تستعمل في الشدة، يقال : كشف عن ساقه إذا تشمر. قال : ومن هذا تقول العرب لسنة الجدب : كشفت ساقها، ونكر ساق للدلالة على أنه أمر مبهم في الشدة، خارج عن المألوف، كقوله تعالى :﴿يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَىْءٍ نُّكُرٍ﴾، فكأنه قيل : يوم يقع أمر فظيع هائل. ﴿وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ﴾ : ظاهره أنهم يدعون، وتقدم أن ذلك على سبيل التوبيخ لا على سبيل التكليف. وقيل : الداعي ما يرونه من سجود المؤمنين، فيريدون هم السجود فلا يستطيعونه، كما ورد في الحديث الذي حاورهم فيه الله تعالى أنهم يقولون : أنت ربنا، ويخرون للسجود، فيسجد كل مؤمن وتصير أصلاب المنافقين والكفار كصياصي البقر عظماً واحداً، فلا يستطيعون سجوداً. انتهى. ونفي الاستطاعة للسجود في الآخرة لا يدل على أن لهم استطاعة في الدنيا، كما ذهب إليه الجبائي. و﴿خَـاشِعَةً﴾ : حال، وذو الحال الضمير في ﴿يُدْعَوْنَ﴾، وخص الأبصار بالخشوع، وإن كانت الجوارح كلها خاشعة، لأنه أبين فيه منه في كل جارحة، ﴿تَرْهَقُهُمْ﴾ : تغشاهم،
٣١٦
﴿ذِلَّةٌا وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ﴾. قيل : هو عبارة عن جميع الطاعات، وخص بالذكر من حيث هو أعظم الطاعات، ومن حيث امتحنوا به في الآخرة. وقال النخعي والشعبي : أراد بالسجود : الصلوات المكتوبة. وقال ابن جبير : كانوا يسمعون النداء للصلاة وحي على الفلاح فلا يجيبون.


الصفحة التالية
Icon