﴿خُذُوهُ﴾ : أي يقال للزبانية ﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ﴾ : أي اجعلوا في عنقه غلاًّ، ﴿ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ﴾، قال الزمخشري : ثم لا تصلوه إلا الجحيم، وهي النار العظمى، لأنه كان سلطاناً يتعظم على الناس. يقال : صلى النار وصلاه النار. انتهى، وإنما قدره لا تصلوه إلا الجحيم، لأنه يزعم أن تقديم المفعول يدل على الحصر. وقد تكلمنا معه في ذلك عند قوله :﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾، وليس ما قاله مذهباً لسيبويه ولا لحذاق النحاة. وأما قوله : لأنه كان سلطاناً يتعظم على الناس، فهذا قول ابن زيد وهو مرجوح، والراجح قول ابن عباس ومن ذكر معه : أن السلطان هنا هو الحجة التي كان يحتج بها في الدنيا، لأن من أوتي كتابه بشماله
٣٢٥
ليس مختصاً بالملوك، بل هو عام في جميع أهل الشقاوة.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣١٨
﴿ثُمَّ فِى سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا﴾ : أي قياسها ومقدار طولها، ﴿سَبْعُونَ ذِرَاعًا﴾ : يجوز أن يراد ظاهره من العدد، ويجوز أن يراد المبالغة في طولها وإن لم يبلغ هذا العدد. قال ابن عباس وابن جريج ومحمد بن المنكدر : بذراع الملك. وقال نوف البكالي وغيره : الذراع سبعون باعاً، في كل باع كما بين مكة والكوفة، وهذا يحتاج إلى نقل صحيح. وقال الحسن : الله أعلم بأي ذراع هي. وقيل : بالذراع المعروف، وإنما خاطبنا تعالى بما نعرفه ونحصله. وقال ابن عباس : لو وضع منها حلقة على جبل لذاب كالرصاص. ﴿فَا سْلُكُوهُ﴾ : أي ادخلوه، كقوله :﴿فَسَلَكَه يَنَـابِيعَ﴾، والظاهر أنه يدخله في السلسلة، ولطولها تلتوي عليه من جميع جهاته فيبقى داخلاً فيها مضغوطاً حتى تعمه. وقيل : في الكلام قلب، والسلسلة تدخل في فمه وتخرج من دبره، فهي في الحقيقة التي تسلك فيه، ولا ضرورة تدعو إلى إخراج الكلام عن ظاهره، إلا إن دل الدليل الصحيح على خلافه. وقال الزمخشري : والمعنى في تقديم السلسلة على السلك مثله في تقديم الجحيم على التصلية، أي لا تسلكوه إلا في هذه السلسلة، كأنها أفظع من سائر مواضع الإرهاق في الجحيم. ومعنى ثم : الدلالة على تفاوت ما بين الغل والتصلية بالجحيم، وما بينها وبين السلك في السلسلة، لا على تراخي المدة. انتهى. وقد تقدم أن من مذهبه الحصر في تقديم المعمول، وأما ثم فيمكن بقاؤها على موضوعها من المهلة الزمانية، وأنه أولاً يؤخذ فيغل. ولما لم يعذب بالعجلة، صارت له استراحة، ثم جاء تصلية الجحيم، فكان ذلك أبلغ في عذابه، إذ جاءه ذلك وقد سكنت نفسه قليلاً، ثم جاء سلكه بعد ذلك بعد كونه مغلولاً معذباً في النار، لكنه كان له انتقال من مكان إلى مكان، فيجد بذلك بعض تنفس. فلما سلك في السلسلة كان ذلك أشد ما عليه من العذاب، حيث صار لا حراك له ولا انتقال، وأنه يضيق عليه غاية، فهذا يصح فيه أن تكون ثم على موضوعها من المهلة الزمانية.
﴿إِنَّه كَانَ لا يُؤْمِنُ﴾ : بدأ بأقوى أسباب تعذيبه وهو كفره بالله، وإنه تعليل مستأنف، كأن قائلاً قال : لم يعذب هذا العذاب البليغ. وقيل :﴿إِنَّه كَانَ لا يُؤْمِنُ﴾، وعطف ﴿وَلا يَحُضُّ﴾ على ﴿لا يُؤْمِنُ﴾ داخل في العلة، وذلك يدل على عظم ذنب من لا يحض على إطعام المسكين، إذ جعل قرين الكفر، وهذا حكم ترك الحض، فكيف يكون ترك الإطعام ؟ والتقدير على إطعام طعام المسكين. وأضاف الطعام إلى المسكين من حيث لم ينسبه إليه، إذ يستحق المسكين حقاً في مال الغني الموسر ولو بأدنى يسار ؛ وللعرب في مكارمهم وإيثارهم آثار عجيبة غريبة بحيث لا توجد في غيرهم، وما أحسن ما قيل فيهم :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣١٨
على مكثريهم رزق من يعتريهموعند المقلين السماحة والبذل
وكان أبو الدرداء يحض امرأته على تكثير الرزق لأجل المساكين ويقول : خلعنا نصف السلسلة بالإيمان، أفلا نخلع نصفها الآخر ؟ وقيل : هو منع الكفار. وقولهم :﴿أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُا﴾، يعني أنه إذا نفي الحض انتفى الإطعام بجهة الأولى، كما صرح به في قوله تعالى :﴿قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ﴾. ﴿فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَـاهُنَا حَمِيمٌ﴾ : أي صديق ملاطف وادّ، ﴿الاخِلاءُ يَوْمَـاِذا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾. وقيل : قريب يدفع عنه. ﴿وَلا طَعَامٌ إِلا مِنْ غِسْلِينٍ﴾، قال ابن عباس : هو صديد أهل النار. وقال قتادة وابن زيد : هو والزقوم أخبث شيء وأبشعه. وقال الضحاك والربيع : هو شجر يأكله أهل النار. وقيل : هو شيء يجري من أهل النار، يدل على هذا قوله في الغاشية :﴿لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِن ضَرِيعٍ﴾، فهما شيء واحد أو متداخلان. قيل : ويجوز أن يكونا متباينين، وأخبر بكل واحد منهما عن طائفة غير الطائفة التي الآخر طعامها، وله خبر ليس. وقال المهدوي : ولا يصح أن يكون هاهنا، ولم يبين ما المانع
٣٢٦