وقرأ الجمهور :﴿سَأَلَ﴾ بالهمز : أي دعا داع، من قولهم : دعا بكذا إذا استدعاه وطلبه، فالباء على أصلها. وقيل : المعنى بحث باحث واستفهم. قيل : فالباء بمعنى عن. وقرأ نافع وابن عامر : سال بألف، فيجوز أن يكون قد أبدلت همزته ألفاً، وهو بدل على غير قياس، وإنما قياس هذا بين بين، ويجوز أن يكون على لغة من قال : سلت أسأل، حكاها سيبويه. وقال الزمخشري : هي لغة قريش، يقولون : سلت تسال وهما يتسايلان. انتهى. وينبغي أن يتثبت في قوله إنها لغة قريش. لأن ما جاء في القرآن من باب السؤال هو مهموز أو أصله الهمز، كقراءة من قرأ : وسلوا الله من فضله، إذ لا يجوز أن يكون من سال التي عينها واو، إذ كان يكون ذلك وسلوا الله مثل خافوا الأمر، فيبعد أن يجيء ذلك كله على لغة غير قريش، وهم الذين نزل القرآن بلغتهم إلا يسيراً فيه لغة غيرهم. ثم جاء في كلام الزمخشري : وهما يتسايلان بالياء، وأظنه من الناسخ، وإنما هو يتساولان بالواو. فإن توافقت النسخ بالياء، فيكون التحريف من الزمخشري ؛ وعلى تقدير أنه من السؤال، فسائل اسم فاعل منه، وتقدم ذكر الخلاف في السائل من هو. وقيل : سال من السيلان، ويؤيده قراءة ابن عباس : سال سايل. وقال زيد بن ثابت : في جهنم واد يسمى سايلاً وأخبر هنا عنه. قال ابن عطية : ويحتمل إن لم يصح أمر الوادي أن يكون الإخبار عن نفوذ القدر بذلك العذاب قد استعير له السيل لما عهد من نفوذ السيل وتصميمه. وقال الزمخشري : والسيل مصدر في معنى السايل، كالغور بمعنى الغاير، والمعنى : اندفع عليهم وادي عذاب، فذهب بهم وأهلكهم. انتهى. وإذا كان السائل هم الكفار، فسؤالهم إنما كان على أنه كذب عندهم، فأخبر تعالى أنه واقع وعيداً لهم. وقرأ أبي وعبد الله : سال سال مثل مال بإلقاء صورة الهمزة وهي الياء من الخط تخفيفاً. قيل : والمراد سائل. انتهى. ولم يحك هل قرأ بالهمز أو بإسقاطها ألبتة. فإن قرأ بالهمز فظاهر، وإن قرأ بحذفها فهو مثل شاك شايك، حذفت عينه واللام جرى فيها الإعراب، والظاهر تعلق بعذاب بسال. وقال أبو عبد الله الرازي : يتعلق بمصدر دل عليه فعله، كأنه قيل : ما سؤاله ؟ فقيل : سؤاله بعذاب، والظاهر اتصال الكافرين بواقع فيكون متعلقاً به، واللام للعلة، أي نازل بهم لأجلهم، أي لأجل كفرهم، أو على أن اللام بمعنى على، قاله بعض النحاة، ويؤيده قراءة أبيّ : على الكافرين، أو على أنه في موضع، أي واقع كائن للكافرين. وقال قتادة والحسن : المعنى : كأن قائلاً قال : لمن هذا العذاب الواقع ؟ فقيل : للكافرين. وقال الزمخشري : أو بالفعل، أي دعاء للكافرين،
٣٣٢
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٣٠
ثم قال : وعلى الثاني، وهو ثاني ما ذكر من توجيهه في الكافرين. قال هو كلام مبتدأ جواب للسائل، أي هو للكافرين، وكان قد قرر أن سال ضمن معنى دعا، فعدى تعديته كأنه قال : دعا داع بعذاب من قولك : دعا بكذا إذا استدعاه وطلبه، ومنه قوله تعالى :﴿يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَـاكِهَةٍ ءَامِنِينَ﴾. انتهى. فعلى ما قرره أنه متعلق بدعا، يعني بسال، فكيف يكون كلاماً مبتدأ جواباً للسائل أي هو للكافرين ؟ هذا لا يصح. فقد أخذ قول قتادة والحسن وأفسده، والأجود أن يكون من الله متعلقاً بقوله :﴿وَاقِعٍ﴾. و﴿لَيْسَ لَه دَافِعٌ﴾ : جملة اعتراض بين العامل والمعمول. وقيل : يتعلق بدافع، أي من جهته إذا جاء وقته.


الصفحة التالية
Icon