﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ : المعارج لغة الدرج وهنا استعارة، قال ابن عباس وقتادة : في الرتب والفواضل والصفات الحميدة. وقال ابن عباس أيضاً : المعارج : السموات تعرج فيها الملائكة من سماء إلى سماء. وقال الحسن : هي المراقي إلى السماء، وقيل : المعارج : الغرف، أي جعلها لأوليائه في الجنة تعرج، قراءة الجمهور بالتاء على التأنيث، وعبد الله والكسائي وابن مقسم وزائدة عن الأعمش بالياء. ﴿وَالرُّوحُ﴾، قال الجمهور ؛ هو جبريل، خص بالذكر تشريفاً، وأخر هنا بعد الملائكة، وقدم في قوله :﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَئاِكَةُ صَفًّا ﴾. وقال مجاهد : ملائكة حفظة للملائكة الحافظين لبني آدم، لا تراهم الحفظة كما لا نرى نحن حفظتنا. وقيل : الروح ملك غير جبريل عظيم الخلقة. وقال أبو صالح : خلق كهيئة الناس وليسوا بالناس. وقال قبيصة بن ذؤيب : روح الميت حين تقبض إليه، الضمير عائد على الله تعالى، أي إلى عرشه وحيث يهبط منه أمره تعالى. وقيل : إليه، أي إلى المكان الذي هو محلهم وهو في السماء لأنها محل بره وكرامته، والظاهر أن المعنى : أنها تعرج في يوم من أيامكم هذه، ومقدار المسافة أن لو عرجها آدمي خمسون ألف سنة، قاله ابن عباس وابن إسحاق وجماعة من الحذاق منهم القاضي منذر بن سعيد. فإن كان العارج ملكاً، فقال مجاهد : المسافة هي من قعر الأرض السابعة إلى العرش ؛ ومن جعل الروح جنس أنواع الحيوان، قال وهب : المسافة من وجه الأرض إلى منتهى العرش. وقال عكرمة والحكم : أراد مدة الدنيا، فإنها خمسون ألف سنة لا يدري أحد ما مضى منها وما بقي، أي تعرج في مدة الدنيا وبقاء هذه البنية. وقال ابن عباس أيضاً : هو يوم القيامة. وقيل : طوله ذلك العدد، وهذا ظاهر ما جاء في الحديث في مانع الزكاة فإنه قال :﴿فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُه خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾. وقال ابن عباس وأبو سعيد الخدري : قدره في رزاياه وهوله وشدته للكفار ذلك العدد. وفي الحديث :"يخف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة". وقال عكرمة مقدار : ما ينقضي فيه من الحساب قدر ما يقضي بالعدل في خمسين ألف سنة من أيام الدنيا. وقال الحسن : نحوه. وقيل : لا يراد حقيقة العدد، إنما أريد به طول الموقف يوم القيامة وما فيه من الشدائد، والعرب تصف أيام الشدة بالطول وأيام الفرح بالقصر. قال الشاعر يصف أيام الفرح والسرور :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٣٠
ويوم كظل الرمح قصر طولهدم الزق عنا واصطفاق المزاهر
والظاهر أن قوله :﴿فِى يَوْمٍ﴾ متعلق بتعرج. وقيل : بدافع، والجملة من قوله :﴿تَعْرُجُ﴾ اعتراض. ولما كانوا قد سألوا استعجال العذاب، وكان السؤال على سبيل الاستهزاء والتكذيب، وكانوا قد وعدوا به، أمره تعالى بالصبر، ومن جعله من السيلان فالمعنى : أنه أشرف على الوقوع، والضمير في ﴿يَرَوْنَهُ﴾ عائد على العذاب أو على اليوم، إذا أريد به يوم القيامة، وهذا الاستبعاد هو على سبيل الإحالة منهم. ﴿وَنَرَاهُ قَرِيبًا﴾ : أي هيناً في قدرتنا، غير بعيد علينا ولا متعذر، وكل ما هو آت قريب، والبعد والقرب في الإمكان لا في المسافة. ﴿يَوْمَ تَكُونُ﴾ : منصوب بإضمار فعل، أي يقع يوم تكون، أو ﴿يَوْمَ تَكُونُ السَّمَآءُ كَالْمُهْلِ﴾ كان
٣٣٣
كيت وكيت، أو بقريباً، أو بدل من ضمير نراه إذا كان عائداً على يوم القيامة. وقال الزمخشري : أو هو بدل من ﴿فِى يَوْمٍ﴾ فيمن علقه بواقع. انتهى. ولا يجوز هذا، لأن ﴿فِى يَوْمٍ﴾ وإن كان في موضع نصب لا يبدل منه منصوب لأن مثل هذا ليس من المواضع التي تراعي في التوابع، لأن حرف الجر فيها ليس بزائد ولا محكوم له بحكم الزائد كرب، وإنما يجوز مراعاة المواضع في حرف الجر الزائد كقوله :
يا بني لبينى لستما بيدإلا يداً ليست لها عضد


الصفحة التالية
Icon