ويقال : حسان وطوال وجمال. وقرأ عيسى وابن محيصن وأبو السمال : بخف الباء، وهو بناء مبالغة. وقرأ زيد بن علي وابن محيصن، فيما روي عنه أبو الأخيرط وهب بن واضح : كباراً، بكسر الكاف وفتح الباء. وقال ابن الأنباري : هو جمع كبير، كأنه جعل مكراً مكان ذنوب أو أفاعيل. انتهى، يعني فلذلك وصفه بالجمع. ﴿وَقَالُوا ﴾ : أي كبراؤهم لأتباعهم، أو قالوا، أي جميعهم بعضهم لبعض، ﴿لا تَذَرُنَّ﴾ : لا تتركن، ﴿ءَالِهَتَكُمْ﴾ : أي أصنامكم، وهو عام في جميع أصنامهم، ثم خصبوا بعد أكابر أصنامهم، وهو ودّ وما عطف عليه ؛ وروي أنها أسماء رجال صالحين كانوا في صدر الزمان. قال عروة بن الزبير : كانوا بني آدم، وكان ودّاً أكبرهم وأبرهم به. وقال محمد بن كعب ومحمد بن قيس : كانوا بني آدم ونوح عليهما السلام، ماتوا فصورت أشكالهم لتذكر أفعالهم الصالحة، ثم هلك من صورهم وخلف من يعظمها، ثم كذلك حتى عبدت. قيل : ثم انتقلت تلك الأصنام بأعيانها. وقيل : بل الأسماء فقط إلى قبائل من العرب. فكان ودّ لكلب بدومة الجندل ؛ وسواع لهذيل، وقيل : لهمدان ؛ ويغوث لمراد، وقيل : لمذحج ؛ ويعوق لهمدان، وقيل : لمراد ؛ ونسر لحمير، وقيل : لذي الكلاع من حمير ؛ ولذلك سمت العرب بعبد ودّ وعبد يغوث ؛ وما وقع من هذا الخلاف في سواع ويغوث ويعوق يمكن أن يكون لكل واحد منهما صنم يسمى بهذا الاسم، إذ يبعد بقاء أعيان تلك الأصنام، فإنما بقيت الأسماء فسموا أصنامهم بها. قال أبو عثمان النهدي : رأيت يغوث، وكان من رصاص، يحمل على جمل أجرد يسيرون معه لا يهيجونه حتى يكون هو الذي يبرك، فإذا برك نزلوا وقالوا : قد رضي لكم المنزل، فينزلون حوله ويضربون له بناء. انتهى. وقال الثعلبي : كان يغوث لكهلان من سبأ، يتوارثونه حتى صار في همدان، وفيه يقول مالك بن نمط الهمداني :
٣٤١
يريش الله في الدنيا ويبريولا يبري يغوث ولا يريش
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٣٧
وقال الماوردي : ود اسم صنم معبود. سمي وداً لودهم له. انتهى. وقيل : كان ود على صورة رجل، وسواع على صورة امرأة، ويغوث على صورة أسد، ويعوق على صورة فرس، ونسر على صورة نسر، وهذا مناف لما تقدم من أنهم صوروا صور ناس صالحين. وقرأ نافع وأبو جعفر وشيبة، بخلاف عنهم : وداً، بضم الواو ؛ والحسن والأعمش وطلحة وباقي السبعة : بفتحها، قال الشاعر :
حياك ودّ فإنا لا يحل لنالهو النساء وأن الدين قد عزما
وقال آخر :
فحياك ودّ من هداك لعسه
وخوص باعلاذي فضالة هجه
قيل : أراد ذلك الصنم. وقرأ الجمهور :﴿وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ﴾ بغير تنوين، فإن كانا عربيين، فمنع الصرف للعلمية ووزن الفعل، وإن كانا عجميين، فللعجمة والعلمية. وقرأ الأشهب : ولا يغوثا ويعوقا بتنوينهما. قال صاحب اللوامح : جعلهما فعولاً، فلذلك صرفهما. فأما في العامة فإنهما صفتان من الغوث والعوق بفعل منهما، وهما معرفتان، فلذلك منع الصرف لاجتماع الفعلين اللذين هما تعريف ومشابهة الفعل المستقبل. انتهى، وهذا تخبيط. أما أولاً، فلا يمكن أن يكونا فعولاً، لأن مادة يغث مفقودة وكذلك يعق ؛ وأما ثانياً، فليسا بصفتين من الغوث والعوق، لأن يفعلا لم يجىء اسماً ولا صفة، وإنما امتنعا من الصرف لما ذكرناه. وقال ابن عطية : وقرأ الأعمش : ولا يغوثا ويعوقا بالصرف، وذلك وهم لأن التعريف لازم ووزن الفعل. انتهى. وليس ذلك بوهم، ولم ينفرد الأعمش بذلك، بل قد وافقه الأشهب العقيلي على ذلك، وتخريجه على أحد الوجهين، أحدهما : أنه جاء على لغة من يصرف جميع ما لا ينصرف عند عامة العرب، وذلك لغة وقد حكاها الكسائي وغيره ؛ والثاني : أنه صرف لمناسبة ما قبله وما بعده من المنون، إذ قبله ﴿وَدًّا وَلا سُوَاعًا﴾، وبعده ﴿وَنَسْرًا﴾، كما قالوا في صرف، و﴿قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَا ﴾، لمن صرف ذلك للمناسبة. وقال الزمخشري : وهذه قراءة مشكلة، لأنهما إن كانا عربيين أو أعجميين ففيهما منع الصرف، ولعله قصد الازدواج فصرفهما لمصادفته أخواتهما منصرفات ﴿يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾، كما قرىء :﴿وَضُحَـاهَا﴾ بالإمالة لوقوعه مع الممالات للازدواج. انتهى. وكان الزمخشري لو يدر أن ثم لغة لبعض العرب تصرف كل ما لا ينصرف عند عامتهم، فلذلك استشكلها.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٣٧


الصفحة التالية
Icon