قوله عز وجل :﴿اسْتَقَـامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لاسْقَيْنَـاهُم مَّآءً غَدَقًا * لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِا وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِا يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا * وَأَنَّ الْمَسَـاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا * وَأَنَّه لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا * قُلْ إِنَّمَآ أَدْعُوا رَبِّى وَلا أُشْرِكُ بِهِا أَحَدًا * قُلْ إِنِّى لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا * قُلْ إِنِّى لَن يُجِيرَنِى مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِا مُلْتَحَدًا * إِلا بَلَـاغًا مِّنَ اللَّهِ وَرِسَـالَـاتِهِا وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَه فَإِنَّ لَه نَارَ جَهَنَّمَ خَـالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا * حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا * قُلْ إِنْ أَدْرِى أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَه رَبِّى أَمَدًا * عَـالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِا أَحَدًا * إِلا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّه يَسْلُكُ مِنا بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِا رَصَدًا * لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَـالَـاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَىْءٍ عَدَدَا ﴾.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٤
هذا من جملة الموحى المندرج تحت ﴿أُوحِىَ إِلَيْكَ﴾، وأن مخففة من الثقيلة، والضمير في ﴿اسْتَقَـامُوا ﴾، قال الضحاك والربيع بن أنس وزيد بن أسلم وأبو مجلز : هو عائد على قوله :﴿فَمَنْ أَسْلَمَ﴾، والطريقة : طريقة الكفر، أي لو كفر من أسلم من الناس ﴿لاسْقَيْنَـاهُم﴾ إملاء لهم واستدراجاً واستعارة، الاستقامة للكفر قلقة لا تناسب. وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن جبير : هو عائد على القاسطين، والمعنى على الطريقة الإسلام والحق، لأنعمنا عليهم، نحو قوله :﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَـابِ ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا ﴾. وقيل : الضمير في استقاموا عائد على الخلق كلهم، وأن هي المخففة من الثقيلة. ﴿لاسْقَيْنَـاهُم مَّآءً غَدَقًا﴾ : كناية عن توسعة الرزق لأنه أصل المعاش. وقال بعضهم : المال حيث الماء. وقرأ الجمهور :﴿غَدَقًا﴾ بفتح الدال ؛ وعاصم في رواية الأعشى : بكسرها ؛ ويقال : غدقت العين تغدق غدقاً فهي غدقة، إذا كثر ماؤها. ﴿لِّنَفْتِنَهُمْ﴾ : أي لنختبرهم كيف يشكرون ما أنعم عليهم به، أو لمنتحنهم ونستدرجهم، وذلك على الخلاف في من يعود عليه الضمير في ﴿اسْتَقَـامُوا ﴾. وقرأ الأعمش وابن وثاب بضم واو لو ؛ والجمهور : بكسرها. وقرأ الكوفيون :﴿يَسْلُكْهُ﴾ بالياء ؛ وباقي السبعة : بالنون ؛ وابن جندب : بالنون من أسلك ؛ وبعض التابعين : بالياء من أسلك أيضاً، وهما لغتان : سلك وأسلك، قال الشاعر :
حتى إذا أسلكوهم في قائدة وقرأ الجمهور :﴿صَعَدًا﴾ بفتحتين، وذو مصدر صعد وصف به العذاب، أي يعلو المعذب ويغلبه، وفسر بشاق. يقال : فلان في صعد من أمره، أي في مشقة. وقال عمر : ما يتصعد بي شيء كما يتصعد في خطبة النكاح، أي ما يشق عليّ. وقال أبو سعيد الخدري وابن عباس : صعد : جبل في النار. وقال الخدري : كلما وضعوا أيديهم عليه ذابت. وقال عكرمة : هو صخرة ملساء في جهنم يكلف صعودها، فإذا انتهى إلى أعلاها حدر إلى جهنم، فعلى هذا يجوز أن يكون بدلاً من عذاب على حذف مضاف، أي عذاب صعد. ويجوز أن يكون صعداً مفعول يسلكه، وعذاباً مفعول من أجله. وقرأ قوم : صعداً بضمتين ؛ وابن عباس والحسن : بضم الصاد وفتح العين. قال الحسن : معناه لا راحة فيه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٤