وقرأ الجمهور :﴿وَأَنَّ الْمَسَـاجِدَ﴾، بفتح الهمزة عطفاً على ﴿أَنَّهُ اسْتَمَعَ﴾، فهو من جملة الموحى. وقال الخليل : معنى الآية :﴿وَأَنَّ الْمَسَـاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا ﴾ : أي لهذا السبب، وكذلك عنده ﴿لايلَـافِ قُرَيْشٍ﴾، ﴿فَلْيَعْبُدُوا ﴾، وكذلك ﴿وَإِنَّ هَـاذِهِا أُمَّتُكُمْ﴾ : أي ولأن هذه. وقرأ ابن هرمز وطلحة : وإن المساجد، بكسرها على الاستئناف وعلى تقدير الخليل، فالمعنى : فلا تدعوا مع الله أحداً في المساجد لأنها لله خاصة ولعبادته، والظاهر أن المساجد هي البيوت المعدة للصلاة والعبادة في كل ملة. وقال الحسن : كل موضع سجد فيه فهو مسجد، كان مخصوصاً لذلك أو لم يكن، لأن الأرض كلها مسجد هذه الأمة. وأبعد ابن عطاء في قوله إنها الآراب التي يسجد عليها، واحدها مسجد بفتح الجيم، وهي الجبهة والأنف واليدان والركبتان والقدمان عد الجبهة والأنف واحداً وأبعد أيضاً من قال المسجد الحرام لأنه قبلة المساجد، وقال : إنه جمع مسجد وهو السجود. وروي أنها نزلت حين تغلبت قريش على الكعبة، فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلّم : المواضع كلها لله، فاعبده حيث كنت. وقال ابن جبير : نزلت لأن الجن قالت : يا رسول الله، كيف نشهد الصلاة معك على نأينا عنك ؟ فنزلت الآية ليخاطبهم على معنى أن عبادتكم حيث كنتم مقبولة إذ دخلنا المساجد.
وقرأ الجمهور :﴿وَأَنَّه لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ﴾ بفتح الهمزة، عطفاً على قراءتهم ﴿وَأَنَّ الْمَسَـاجِدَ﴾ بالفتح. وقرأ ابن هرمز وطلحة ونافع وأبو بكر. بكسرها على الاستئناف ؛ وعبد الله هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ﴿يَدْعُوهُ﴾ : أي يدعو الله
٣٥٢
﴿كَادُوا ﴾ : أي كاد الجن، قال ابن عباس والضحاك : ينقضون عليه لاستماع القرآن. وقال الحسن وقتادة : الضمير في ﴿كَادُوا ﴾ لكفار قريش والعرب في اجتماعهم على رد أمره. وقال ابن جبير : المعنى أنها قول الجن لقومهم يحكمون، والضمير في ﴿كَادُوا ﴾ لأصحابة الذين يطوعون له ويقيدون به في الصلاة. قال الزمخشري : فإن قلت : هلا قيل رسول الله أو النبي ؟ قلت : لأن تقديره وأوحي إليّ أنه لما قام عبد الله، فلما كان واقعاً في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن نفسه، جيء به على ما يقتضيه التواضع والتذلل ؛ أو لأن المعنى أن عبادة عبد الله لله ليست بأمر مستعبد عن العقل ولا مستنكر حتى يكونوا عليه لبداً. ومعنى قام يدعوه : قام يعبده، يريد قيامه لصلاة الفجر بنخلة حين أتاه الجن، فاستمعوا لقراءته عليه السلام. ﴿كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ : أي يزدحمون عليه متراكمين، تعجباً مما رأوا من عبادته، واقتداء أصحابه به قائماً وراكعاً وساجداً، وإعجاباً بما تلا من القرآن، لأنهم رأوا ما لم يروا مثله، وسمعوا بما لم يسمعوا بنظيره. انتهى، وهو قول متقدم كثره الزمخشري بخطابته. وقرأ الجمهور :﴿لِبَدًا﴾ بكسر اللام وفتح الباء جمع لبدة، نحو : كسرة وكسر، وهي الجماعات شبهت بالشيء المتلبد بعضه فوق بعض، ومنه قول عبد مناف بن ربيع :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٤
صافوا بستة أبيات وأربعةحتى كأن عليهم جانباً لبداً
وقال ابن عباس : أعواناً. وقرأ مجاهد وابن محيصن وابن عامر : بخلاف عنه بضم اللام جمع لبدة، كزبرة وزبر ؛ وعن ابن محيصن أيضاً : تسكين الباء وضم اللام لبداً. وقرأ الحسن والجحدري وأبو حيوة وجماعة عن أبي عمرو : بضمتين جمع لبد، كرهن ورهن، أو جمع لبود، كصبور وصبر. وقرأ الحسن والجحدري : بخلاف عنهما، لبداً بضم اللام وشد الباء المفتوحة. قال الحسن وقتادة وابن زيد : لما قام الرسول للدعوة، تلبدت الإنس والجن على هذا الأمر ليطفئوه، فأبى الله إلا أن ينصره ويتم نوره. انتهى. وأبعد من قال عبد الله هنا نوح عليه السلام، كاد قومه يقتلونه حتى استنقذه الله منهم، قاله الحسن. وأبعد منه قول من قال إنه عبد الله بن سلام. وقرأ الجمهور : قال إنما أدعوا ربي : أي أعبده، أي قال للمتظاهرين عليه :﴿إِنَّمَآ أَدْعُوا رَبِّى﴾ : أي لم آتكم بأمر ينكر، إنما أعبد ربي وحده، وليس ذلك مما يوجب إطباقكم على عداوتي. أو قال للجن عند ازدحامهم متعجبين : ليس ما ترون من عبادة الله بأمر يتعجب منه، إنما يتعجب ممن يعبد غيره. أو قال الجن لقومهم : ذلك حكاية عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وهذا كله مرتب على الخلاف في عود الضمير في ﴿كَادُوا ﴾. وقرأ عاصم وحمزة وأبو عمرو بخلاف عنه :﴿قُلْ﴾ : أي قل يا محمد لهؤلاء المزدحمين عليك، وهم إما الجن وإما المشركون، على اختلاف القولين في ضمير ﴿كَادُوا ﴾.


الصفحة التالية
Icon