﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ﴾ : هذا كالمثال لقريش، ذكرت قصة من أرسل إليهم موسى عليه السلام، فكذبوه، فأهلكهم الله. وقرىء : فتنا، بتشديد التاء، للمبالغة في الفعل، أو التكثير، متعلقة ﴿وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ﴾ : أي كريم عند الله وعند المؤمنين، قاله الفراء ؛ أو كريم في نفسه، لأن الأنبياء إنما يبعثون من سروات الناس، قاله أبو سليمان ؛ أو كريم حسن الخلق، قاله مقاتل. ﴿أَنْ أَدُّوا إِلَىَّ عِبَادَ اللَّهِ﴾ يحتمل أن تكون أن تفسيرية، لأنه تقدم ما يدل على معنى القول، وهو رسول كريم، وأن تكون أن مخففة من الثقيلة أو الناصبة للمضارع، فإنها توصل بالأمر. قال ابن عباس : أن أدوا إليّ الطاعة يا عباد الله : أي اتبعوني على ما أدعوكم إليه من الإيمان. وقال مجاهد، وقتادة، وابن زيد : طلب منهم أن يؤدوا إليه بني إسرائيل، كم قال : فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم. فعلى ابن عباس : عباد الله : منادى، ومفعول أدوا محذوف ؛ وعلى قول مجاهد ومن ذكر معه : عباد الله : مفعول أدوا. ﴿إِنِّى لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾ : أي غير متهم، قد ائتمنني الله على وحيه ورسالته.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٠
﴿وَأَن لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ﴾ : أي لا تستكبروا على عبادة الله، قاله يحيي بن سلام. قال ابن جريح : لا تعظموا على الله. قيل : والفرق بينهما أن التعظيم تطاول المقتدر، والاستكبار ترفع المحتقر، ذكره الماوردي، وأن هنا كان السابق في أوجهها الثلاثة. ﴿وَأَن لا تَعْلُوا عَلَى﴾ : أي بحجة واضحة في نفسها، وموضحة صدق دعواي. وقرأ الجمهور : إني، بكسر الهمزة، على سبيل الإخبار ؛ وقرأت فرقة : بفتح الهمزة. والمعنى : لا تعلوا على الله من أجل أني آتيكم، فهذا توبيخ لهم، كما تقول : أتغضب إن قال لك الحق ؟ ﴿وَإِنِّى عُذْتُ﴾ : أي استجرت ﴿بِرَبِّى وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ﴾ : كانوا قد توعدوه بالقتل، فاستعاذ من ذلك. وقرىء : عدت، بالإدغام. قال قتادة وغيره : الرجم هنا بالحجارة. وقال ابن عباس، وأبو صالح : بالشتم ؛ وقول قتادة أظهر، لأنه قد وقع منهم في حقه ألفاظ لا تناسب ؛ وهذه المعاذة كانت قبل أن يخبره تعالى بقوله :﴿فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ﴾.
﴿فَدَعَا رَبَّهُا﴾ : أني مغلوب فانتصر، ﴿أَنَّ هَؤُلاءِ﴾ : لفظ تحقير لهم. وقرأ الجمهور : أن هؤلاء، بفتح الهمزة، أي بأن هؤلاء. وقرأ ابن أبي إسحاق، وعيسى، والحسن في رواية، وزيد بن علي : بكسرها. ﴿فَأَسْرِ بِعِبَادِى﴾ : في الكلام حذف، أي فانتقم منهم، فقال له الله : أسر بعبادي، وهم بنوا إسرائيل ومن آمن به من القبط. وقال الزمخشري : فيه وجهان : إضمار القول بعد الفاء، فقال : أسر بعبادي، وأن يكون جواباً بالشرط محذوف ؛ كأنه قيل : قال إن كان الأمر كما تقول، فأسر بعبادي. انتهى. وكثيراً ما يجيز هذا الرجل حذف الشرط وإبقاء جوابه، وهو لا يجوز إلا لدليل واضح ؛ كأن يتقدمه الأمر وما أشبهه مما ذكر في النحو، على خلاف في ذلك. ﴿إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ﴾ : أي يتبعكم فرعون وجنوده، فتنجون ويغرق المتبعون. ﴿وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا ﴾ : قال ابن عباس : ساكناً كما أجراه. وقال مجاهد وعكرمة : يبساً من قوله :﴿فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِى الْبَحْرِ يَبَسًا﴾. وقال الضحاك : دمثاً ليناً.
٣٥
وقال عكرمة : جدداً. وقال ابن زيد : سهلاً. وقال مجاهد أيضاً : منفرداً. قال قتادة : أراد موسى أن يضرب البحر بعصاه، لما قطعه، حتى يلتئم ؛ وخاف أن يتبعه فرعون، فقيل : لمه هذا ؟ ﴿إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ﴾ : أي فيه، لأنهم إذا رأوه ساكناً على حالته حين دخل فيه موسى وبنوا إسرائيل، أو مفتوحاً طريقاً يبساً، دخلوا فيه، فيطبقه الله عليهم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٠


الصفحة التالية
Icon