﴿قَوْلا ثَقِيلا﴾ : هو القرآن، وثقله بما اشتمل عليه من التكاليف الشاقة، كالجهاد ومداومة الأعمال الصالحة. قال الحسن : إن الهذ خفيف، ولكن العمل ثقيل. وقال أبو العالية : والقرطبي : ثقله على الكفار والمنافقين بإعجازه ووعيده. وقيل : ثقله ما كان يحل بجسمه صلى الله عليه وسلّم حالة تلقيه الوحي، حتى كانت ناقته تبرك به ذلك الوقت، وحتى كادت رأسه الكريمة أن ترض فخذ زيد بن ثابت. وقيل : كلام له وزن ورجحان ليس بالسفساني. قال ابن عباس : كلاماً عظيماً. وقيل : ثقيل في الميزان يوم القيامة، وهو إشارة إلى العمل به. وقيل : كناية عن بقائه على وجه الدهر، لأن الثقيل من شأنه أن يبقى في مكانه.
﴿قُمِ الَّيْلَ إِلا قَلِيلا﴾، قال ابن عمر وأنس ابن مالك وعليّ بن الحسين : هي ما بين المغرب والعشاء. وقالت عائشة ومجاهد : هي القيام بعد اليوم، ومن قام أول الليل قبل اليوم، فلم يقم ناشئة الليل. وقال ابن جبير وابن زيد : هي لفظة حبشية، نشأ الرجل : قام من الليل، فناشئة على هذا جمع ناشىء، أي قائم. وقال ابن جبير وابن زيد أيضاً وجماعة : ناشئة
٣٦٢
الليل : ساعاته، لأنها تنشأ شيئاً بعد شيء. وقال ابن عباس وابن الزبير والحسن وأبو مجلز : ما كان بعد العشاء فهو ناشئة، وما كان قبلها فليس بناشئة. قال ابن عباس : كانت صلاتهم أول الليل، وقال هو وابن الزبير : الليل كله ناشئة. وقال الكسائي : ناشئة الليل أوله. وقال الزمخشري : ناشئة الليل : النفس الناشئة بالليل التي تنشأ من مضجعها إلى العبادة، أي تنهض وترتفع من نشأت السحابة إذا ارتفعت، ونشأ من مكانه ونشر إذا نهض. قال الشاعر :
نشأنا إلى خوص برى فيها السرىوألصق منها مشرفات القماحد
أو : قيام الليل، على أن الناشئة مصدر من نشأ إذا قام ونهض على فاعله كالعاقبة. انتهى. وقرأ الجمهور : وطاء بكسر الواو وفتح الطاء ممدوداً. وقرأ قتادة وشبل، عن أهل مكة : بكسر الواو وسكون الطاء والهمزة مقصورة. وقرأ ابن محيصن : بفتح الواو ممدوداً، والمعنى أنها أشد مواطأة، أي يواطىء القلب فيها اللسان، أو أشد موافقة لما يراد من الخشوع والإخلاص. ومن قرأ ﴿وَطْـاًا﴾ : أي أشد ثبات قدم وأبعد من الزلل، أو أثقل وأغلظ على المصلي من صلاة النهار، كما جاء :"اللهم اشدد وطأتك على مضر". وقال الأخفش : أشد قياماً. وقال الفراء : أثبت قراءة وقياماً. وقال الكلبي : أشد نشاطاً للمصلي لأنه في زمان راحته. وقيل : أثبت للعمل وأدوم لمن أراد الاستكثار من العبادة، والليل وقت فراغ، فالعبادة تدوم. ﴿وَأَقْوَمُ قِيلا﴾ : أي أشد استقامة على الصواب، لأن الأصوات هادئة فلا يضطرب على المصلي ما يقرؤه. قال قتادة ومجاهد : أصوب للقراءة وأثبت للقول، لأنه زمان التفهم. وقال عكرمة : أتم نشاطاً وإخلاصاً وبركة. وحكى ابن شجرة : أعجل إجابة للدعاء. وقال زيد بن أسلم : أجدر أن يتفقه فيها القارىء. وقرأ الجمهور :﴿سَبْحًا﴾ : أي تصرّفاً وتقلباً في المهمات، كما يتردّد السابح في الماء. قال الشاعر :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٥٨
أبا حوالكم شرق البلاد وغربهاففيها لكم يا صاح سبح من السبح
وقيل : سبحاً سبحة، أي نافلة. وقرأ ابن يعمر وعكرمة وابن أبي عبلة : سبخاً بالخاء المنقوطة ومعناه : خفة من التكاليف، والتسبيخ : التخفيف، وهو استعارة من سبخ الصوف إذا نفشه ونشر أجزاءه، فمعناه : انتشار الهمة وتفرّق الخاطر بالشواغل. وقيل : فراغاً وسعة لنومك وتصرّفك في حوائجك. وقيل : المعنى إن فات حزب الليل بنوم أو عذر. فليخلف بالنهار، فإن فيه سبحاً طويلاً. قال صاحب اللوامح : وفسر ابن يعمر وعكرمة سبخاً بالخاء معجمة. وقال : نوماً، أي تنام بالنهار لتستعين به على قيام الليل. وقد تحتمل هذه القراءة غير هذا المعنى، لكنهما فسراها، فلا يجاوز عنه. انتهى. وفي الحديث :"لا تسبخي بدعائك"، أي لا تخففي. وقال الشاعر :
فسبخ عليك الهم واعلم بأنهإذا قدّر الرحمن شيئاً فكائن
وقال الأصمعي : يقال سبح الله عنك الحمى، أي خففها. وقيل : السبخ : المد، يقال : سبخي قطنك : أي مديه، ويقال لقطع القطن سبائخ، الواحدة سبيخة، ومنه قول الأخطل :
فأرسلوهنّ يذرين التراب كمايذري سبائخ قطن ندف أوتار
﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ﴾ : أي دم على ذكره، وهو يتناول كل ذكر من تسبيح وتهليل وغيرهما، وانتصب ﴿تَبْتِيلا﴾ على أنه مصدر على غير الصدر، وحسن ذلك كونه فاصلة. وقرأ الأخوان وابن عامر وأبو بكر ويعقوب : رب بالخفض على البدل من ربك ؛ وباقي السبعة : بالرفع ؛ وزيد بن عليّ : بالنصب ؛ والجمهور : المشرق والمغرب موحدين ؛ وعبد الله وأصحابه وابن عباس : بجمعهما. وقال الزمخشري، وعن ابن عباس : على القسم، يعني : خفض رب بإضمار حرف القسم، كقولك : الله لأفعلن، وجوابه : لا إله إلا هو، كما تقول :
٣٦٣


الصفحة التالية
Icon