والله لا أحد في الدار إلا زيد. انتهى. ولعل هذا التخريج لا يصح عن ابن عباس، إذ فيه إضمار الجار في القسم، ولا يجوز عند البصريين إلا في لفظة الله، ولا يقاس عليه. ولأن الجملة المنفية في جواب القسم إذا كانت اسمية فلا تنفيء إلا بما وحدها، ولا تنفي بلا إلا الجملة المصدرة بمضارع كثيراً وبماض في معناه قليلاً، نحو قول الشاعر :
ردوا فوالله لا زرناكم أبداما دام في مائنا ورد لورّاد
والزمخشري أورد ذلك على سبيل التجويز والتسليم، والذي ذكره النحويون هو نفيها بما نحو قوله :
لعمرك ما سعد بخلة آثمولا نأنأ يوم الحفاظ ولا حصر
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٥٨
﴿فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ﴾، لأن من انفرد بالألوهية لم يتخذ وكيلاً إلا هو. ﴿وَاصْبِرْ﴾، ﴿وَاهْجُرْهُمْ﴾ : قيل منسوخ بآية السيف. ﴿وَذَرْنِى وَالْمُكَذِّبِينَ﴾ : قيل نزلت في صناديد قريش، وقيل : في المطعمين يوم بدر، وتقدّمت أسماؤهم في سورة الأنفال، وتقدّم شرح مثل هذا في ﴿فَذَرْنِى وَمَن يُكَذِّبُ بِهَـاذَا الْحَدِيثِ﴾. ﴿أُوالِى النَّعْمَةِ﴾ : أي غضارة العيش وكثرة المال والولد، والنعمة بالفتح : التنعم، وبالكسر : الأنعام وما ينعم به، وبالضم : المسرّة، يقال : نعم ونعمة عين. ﴿وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلا﴾ : وعيد لهم بسرعة الانتقام منهم، والقليل : موافاة آجالهم. وقيل : وقعة بدر. ﴿إِنَّ لَدَيْنَآ﴾ : أي ما يضاد نعمتهم، ﴿أَنكَالا﴾ : قيوداً في أرجلهم. قال الشعبي : لم تجعل في أرجلهم خوفاً من هروبهم، ولكن إذا أرادوا أن يرتفعوا استقلت بهم. وقال الكلبي : الأنكال : الأغلال، والأول أعرف في اللغة، ومنه قول الخنساء :
دعاك فقطعت أنكالهوقد كن قبلك لا تقطع
﴿وَجَحِيمًا﴾ : ناراً شديدة الايقاد. ﴿وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ﴾، قال ابن عباس : شوك من نار يعترض في حلوقهم، لا يخرج ولا ينزل. وقال مجاهد وغيره : شجرة الزقوم. وقيل : الضريع وشجرة الزقوم. ﴿يَوْمَ﴾ منصوب بالعامل في الدنيا، وقيل : بذرني، ﴿تَرْجُفُ﴾ : تضطرب. وقرأ الجمهور :﴿تَرْجُفُ﴾ بفتح التاء مبنياً للفاعل ؛ وزيد بن علي : بضمها مبنياً للمفعول، ﴿كَثِيبًا﴾ : أي رملاً مجتمعاً، ﴿مَّهِيلا﴾ : أي رخواً ليناً. قيل : ويقال : مهيل ومهيول، وكيل ومكيول، ومدين ومديون، الإتمام في ذوات الياء لغة تميم، والحذف لأكثر العرب.
ولما هدد المكذبين بأهوال القيامة، ذكرهم بحال فرعون وكيف أخذه الله تعالى، إذ كذب موسى عليه السلام، وأنه إن دام تكذيبهم أهلكهم الله تعالى فقال :﴿إِنَّآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْكُمْ﴾، والخطاب عام للأسود والأحمر. وقيل : لأهل مكة، ﴿رَسُولا شَـاهِدًا عَلَيْكُمْ﴾، كما قال :﴿وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَـا ؤُلاءِ﴾. وشبه إرساله إلى أهل مكة بإرسال موسى إلى فرعون على التعيين، لأن كلاً منهما ربا في قومه واستحقروا بهما، وكان عندهم علم بما جرى من غرق فرعون، فناسب أن يشبه الإرسال بالإرسال. وقيل : الرسول بلام التعريف، لأنه تقدم ذكره فأحيل عليه. كما تقول : لقيت رجلاً فضربت الرجل، لأن المضروب هو الملقى، والوبيل : الرديء العقبى، من قولهم : كلأ وبيل : أي وخيم لا يستمرأ لثقله، أي لا ينزل في المريء.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٥٨
قوله عز وجل :﴿فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا * السَّمَآءُ مُنفَطِرُا بِهِا كَانَ وَعْدُه مَفْعُولا * إِنَّ هَـاذِهِا تَذْكِرَةٌا فَمَن شَآءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِا سَبِيلا * إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَىِ الَّيْلِ وَنِصْفَه وَثُلُثَه وَطَآاِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَا وَاللَّهُ يُقَدِّرُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾.
٣٦٤