وسمعت سروية مستجدية بمكة وقت الظهر حين يغلق الناس أبوابهم ويأوون مقائلهم تقول : عيينتي ناظرة إلى الله وإليكم، والمعنى : أنهم لا يتوقعون النعمة والكرامة إلا من ربهم، كما كانوا في الدنيا لا يخشون ولا يرجون إلا إياه. انتهى. وقال ابن عطية : ذهبوا، يعني المعتزلة، إلى أن المعنى إلى رحمة ربها ناظرة، أو إلى ثوابه أو ملكه، فقدروا مضافاً محذوفاً، وهذا وجه سائغ في العربية. كما تقول : فلان ناظر إليك في كذا : أي إلى صنعك في كذا. انتهى. والظاهر أن إلى في قوله :﴿إِلَى رَبِّهَا﴾ حرف جر يتعلق بناظرة. وقال بعض المعتزلة : إلى هنا واحد الآلاء، وهي النعم، وهي مفعول به معمول لناظرة بمعنى منتظرة. ﴿وَوُجُوهٌ يَوْمَـاِذا بَاسِرَةٌ﴾ : يجوز أن يكون ﴿وُجُوهٌ﴾ مبتدأ خبره ﴿بَاسِرَةٌ﴾ وتظن خبر بعد خبر وأن تكون باسرة صفة وتظن الخبر. والفاقرة قال ابن المسيب قاصمة الظهر، وتظن بمعنى توقن أو يغلب على اعتقادها وتتوقع ﴿أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ﴾ : فعل هو في شدة داهية تقصم. وقال أبو عبيدة : فاقرة من فقرت البعير إذا وسمت أنفه بالنار. ﴿كَلا﴾ : ردع عن إيثار الدنيا على الآخرة وتذكير لهم بما يؤولون إليه من الموت الذي تنقطع العاجلة عنده وينتقل منها إلى الآجلة، والضمير في ﴿بَلَغَتِ﴾ عائد إلى النفس الدال عليها سياق الكلام، كقول حاتم :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٨١
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتىإذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر
وتقول العرب : أرسلت، يريدون جاء المطر، ولا نكاد نسمعهم يقولون السماء. وذكرهم تعالى بصعوبة الموت، وهو أول مراحل الآخرة حين تبلغ الروح التراقي ودنا زهوقها. وقيل : مبني للمفعول، فاحتمل أن يكون القائل حاضروا المريض طلبوا له من يرقي ويطب ويشفي، وغير ذلك مما يتمناه له أهله، قاله ابن عباس والضحاك وأبو قلابة وقتادة، وهو استفهام حقيقة. وقيل : هو استفهام إبعاد وإنكار، أي قد بلغ مبلغاً لا أحد يرقيه، كما عند الناس : من ذا الذي يقدر أن يرقي هذا المشرف على الموت قاله عكرمة وابن زيد. واحتمل أن يكون القائل الملائكة، أي من يرقي بروحه إلى السماء ؟ أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب ؟ قاله ابن عباس أيضاً وسليمان التيمي. وقيل : إنما يقولون ذلك لكراهتهم الصعود بروح الكافر لخبثها ونتنها، ويدل عليه قوله بعد :﴿فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى ﴾ الآية. ووقف حفص على ﴿مَنْ﴾، وابتدأ ﴿رَاقٍ﴾، وأدغم الجمهور. قال أبو علي : لا أدري ما وجه قراءته. وكذلك قرأ :﴿بَلْا رَانَ﴾. انتهى. وكان حفصاً قصد أن لا يتوهم أنها كلمة واحدة، فسكت سكت لطيفاً ليشعر أنهما كلمتان. وقال سيبويه : إن النون تدغم في الراء، وذلك نحو من راشد ؛ والإدغام بغنة وبغير غنة، ولم يذكر البيان. ولعل
٣٨٩
ذلك من نقل غيره من الكوفيين، وعاصم شيخ حفص يذكر أنه كان عالماً بالنحو. وأمّا ﴿بَلْا رَانَ﴾ فقد ذكر سيبويه أن اللام البيان فيها، والإدغام مع الراء حسنان، فلما أفرط في شأن البيان في ﴿بَلْا رَانَ﴾، صار كالوقف القليل. ﴿وَظَنَّ﴾، أي المريض، ﴿أَنَّهُ﴾ : أي ما نزل به، ﴿الْفِرَاقُ﴾ : فراق الدنيا التي هي محبوبته، والظن هنا على بابه. وقيل : فراق الروح الجسد.
﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾، قال ابن عباس والربيع بن أنس وإسماعيل بن أبي خالد : استعارة لشدّة كرب الدنيا في آخر يوم منها، وشدة كرب الآخرة في أول يوم منها، لأنه بين الحالين قد اختلطا به، كما يقول : شمرت الحرب عن ساق، استعارة لشدتها. وقال ابن المسيب والحسن : هي حقيقة، والمراد ساقا الميت عندما لفا في الكفن. وقال الشعبي وقتادة وأبو مالك : التفافهما لشدّة المرض، لأنه يقبض ويبسط ويركب هذه على هذه. وقال الضحاك : أسوق حاضريه من الإنس والملائكة ؛ هؤلاء يجهزونه إلى القبر، وهؤلاء يجهزون روحه إلى السماء. وقيل : التفافهما : موتهما أولاً، إذ هما أول ما تخرج الروح منهما فتبردان قبل سائر الأعضاء. وجواب إذا محذوف تقديره وجد ما عمله في الدنيا من خير وشر.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٨١