﴿إِلَى رَبِّكَ يومئذ الْمَسَاقُ﴾ : المرجع والمصير، والمساق مفعل من السوق، فهو اسم مصدر، إمّا إلى جنة، وإمّا إلى نار. ﴿فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى ﴾، الجمهور : إنها نزلت في أبي جهل وكادت أن تصرح به في قوله :﴿يَتَمَطَّى ﴾. فإنها كانت مشيته ومشية قومه بني مخزوم، وكان يكثر منها. وتقدم أيضاً أنه قيل في قوله :﴿أَيَحْسَبُ الانسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ﴾ أنها نزلت في أبي جهل. وقال الزمخشري : يعني الإنسان في قوله :﴿أَيَحْسَبُ الانسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ﴾. ألا ترى إلى قوله :﴿أَيَحْسَبُ الانسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى﴾، وهو معطوف على قوله :﴿يَسْاَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ﴾ : أي لا يؤمن بالبعث ؟ ﴿فَلا صَدَّقَ﴾ بالرسول والقرآن، ﴿وَلا صَلَّى ﴾. ويجوز أن يراد : فلا صدق ماله، يعني فلا زكاة. انتهى. وكون ﴿فَلا صَدَّقَ﴾ معطوفاً على قوله :﴿يَسْاَلُ﴾ فيه بعد، ولا هنا نفت الماضي، أي لم يصدق ولم يصل ؛ وفي هذا دليل على أن لا تدخل على الماضي فتنصبه، ومثله قوله :
وأي خميس لا أتانا نهابهوأسيافنا يقطرن من كبشه دما
وقال الراجز :
إن تغفر اللهم تغفر جماوأيّ عبد لك لا ألما
وصدق : معناه برسالة الله. وقال يوم : هو من الصدقة، وهذا الذي يظهر نفي عنه الزكاة والصلاة وأثبت له التكذيب، كقوله :﴿قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَآاِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾. وحمل ﴿فَلا صَدَّقَ﴾ على نفي التصديق بالرسالة، فيقتضي أن يكون ﴿وَلَاكِن كَذَّبَ﴾ تكراراً. ولزم أن يكون لكن استدراكاً بعد ﴿وَلا صَلَّى ﴾ لا بعده ﴿فَلا صَدَّقَ﴾، لأنه كان يتساوى الحكم في ﴿فَلا صَدَّقَ﴾ وفي ﴿كَذَّبَ﴾، ولا يجوز ذلك، إذ لا يقع لكن بعد متوافقين. : أعرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكذب بما جاء به. ﴿وَتَوَلَّى * ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ﴾ : أي قومه، ﴿يَتَمَطَّى ﴾ : يبختر في مشيته. روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لبب أبا جهل يوماً في البطحاء وقال له :"إن الله يقول لك أولى فأولى لك"، فنزل القرآن على نحوها، وقالت الخنساء :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٨١
هممت بنفسي كل الهموم فأولى لنفسي أولى لها
وتقدم الكلام على ﴿أَوْلَى ﴾ شرحاً وإعراباً في قوله تعالى :﴿فَأَوْلَى لَهُمْ * طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ﴾ في سورة القتال، وتكراره هنا مبالغة في التهديد والوعيد. ولما ذكر حاله في الموت وما كان من حاله في الدنيا، قرر له أحواله في بدايته ليتأمّلها، فلا ينكر معها جواز البعث من القبور. وقرأ الجمهور :﴿أَلَمْ يَكُ﴾ بياء الغيبة ؛
٣٩٠
والحسن : بتاء الخطاب على سبيل الالتفات. وقرأ الجمهور : تمنى، أي النطفة يمنيها الرجل ؛ وابن محيصن والجحدري وسلام ويعقوب وحفص وأبو عمر : بخلاف عنه بالياء، أي يمنى هو، أي المني، فخلق الله منه بشراً مركباً من أشياء مختلفة. ﴿فَسَوَّى ﴾ : أي سواه شخصاً مستقلاً. ﴿فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ﴾ : أي النوعين أو المزدوجين من البشر، وفي قراءة زيد بن عليّ : الزّوجان بالألف، وكأنه على لغة بني الحارث بن كعب ومن وافقهم من العرب من كون المثنى بالألف في جميع أحواله. وقرأ أيضاً : يقدر مضارعاً، والجمهور :﴿بِقَادِرٍ﴾ اسم فاعل مجرور بالباء الزائدة.
﴿أَلَيْسَ ذَالِكَ﴾ : أي الخالق المسوي، ﴿بِقَادِرٍ﴾، وفيه توقيف وتوبيخ لمنكر البعث. وقرأ طلحة بن سليمان والفيض بن غزوان : بسكون الياء من قوله :﴿أَن يُحِْاىَ﴾، وهي حركة إعراب لا تنحذف إلا في الوقف، وقد جاء في الشعر حذفها. وقرأ الجمهور : بفتحها. وجاء عن بعضهم يحيي بنقل حركة الياء إلى الحاء وإدغام الياء في الياء. قال ابن خالويه : لا يجيز أهل البصرة سيبويه وأصحابه إدغام يحيي، قالوا لسكون الياء الثانية، ولا يعتدون بالفتحة في الياء لأنها حركة إعراب غير لازمة. وأما الفراء فاحتج بهذا البيت :
تمشي بسده بينها فتعيى
يريد : فتعيي، والله تعالى أعلم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٨١