الوقف. وروي أن من العرب من يقول : رأيت عمراً بالألف في الوقف. ﴿مِن كَأْسٍ﴾ : من لابتداء الغاية، ﴿كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا﴾، قال قتادة : يمزج لهم بالكافور، ويختم لهم بالمسك. وقيل : هو على التشبيه، أي طيب رائحة وبرد كالكافور. وقال الكلبي : كافوراً اسم عين في الجنة، وصرفت لتوافق الآي. وقرأ عبد الله : قافوراً بالقاف بدل الكاف، وهما كثيراً ما يتعاقبان في الكلمة، كقولهم : عربي قح وكح، و﴿عَيْنًا ﴾ بدل من ﴿كَفُورًا﴾ مفعولاً بيشربون، أي ماء عين، أو بدل من محل من كأس على حذف مضاف، أي يشربون خمراً خمر عين، أو نصب على الاختصاص. ولما كانت الكأس مبدأ شربهم أتى بمن ؛ وفي ﴿يَشْرَبُ بِهَا﴾ : أي يمزج شرابهم بها أتى بالباء الدالة على الإلصاق، والمعنى : يشرب عباد الله بها الخمر، كما تقول : شربت الماء بالعسل، أو ضمن يشرب معنى يروى فعدى بالباء. وقيل : الباء زائدة والمعنى يشرب بها، وقال الهذلي :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٩١
شربن بماء البحر ثم ترفعتمتى لجج خضر لهن نئيج
قيل : أي شربن ماء البحر. وقرأ ابن أبي عبلة : بشربها ؛ وعباد الله هنا هم المؤمنون، ﴿يُفَجِّرُونَهَا﴾ : يثقبونها بعود قصب ونحوه حيث شاءوا، فهي تجري عند كل واحد منهم، هكذا ورد في الأثر. وقيل : هي عين في دار رسول الله صلى الله عليه وسلّم تنفجر إلى دور الأنبياء والمؤمنين. ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾ في الدنيا، وكانوا يخافون. وقال الزمخشري :﴿يُوفُونَ﴾ جواب من عسى يقول ما لهم يرزقون ذلك. انتهى. فاستعمل عسى صلة لمن وهو لا يجوز، وأتى بعد عسى بالمضارع غير مقرون بأن، وهو قليل أو في شعر. والظاهر أن المراد بالنذر ما هو المعهود في الشريعة أنه نذر. قال الأصم وتبعه الزمخشري : هذا مبالغة في وصفهم بالتوفر على أداء الواجبات، لأن من وفى بما أوجبه هو على نفسه كان لما أوجبه الله تعالى عليه أوفى. وقيل : النذر هنا عام لما أوجبه الله تعالى، وما أوجبه العبد فيدخل فيه الإيمان وجمع الطاعات. ﴿عَلَى حُبِّهِ﴾ : أي على حب الطعام، إذ هو محبوب للفاقة والحاجة، قاله ابن عباس ومجاهد ؛ أو على حب الله : أي لوجهه وابتغاء مرضاته، قاله الفضيل بن عياض وأبو سليمان الداراني. والأول أمدح، لأن فيه الإيثار على النفس ؛ وأما الثاني فقد يفعله الأغنياء أكثر. وقال الحسن بن الفضل : على حب الطعام، أي محبين في فعلهم ذلك، لا رياء فيه ولا تكلف. ﴿مِسْكِينًا﴾ : وهو الطواف المنكسر في السؤال، ﴿وَيَتِيمًا﴾ : هو الصبي الذي لا أب له، ﴿وَأَسِيرًا﴾ : والأسير معروف، وهو من الكفار، قاله قتادة. وقيل : من المسلمين تركوا في بلاد الكفار رهائن وخرجوا لطلب الفداء. وقال ابن جبير وعطاء : هو الأسير من أهل القبلة. وقيل :﴿وَأَسِيرًا﴾ استعارة وتشبيه. وقال مجاهد وابن جبير وعطاء : هو المسجون. وقال أبو حمزة اليماني : هي الزوجة ؛ وعن أبي سعيد الخدري : هو المملوك والمسجون. وفي الحديث :"غريمك أسيرك فأحسن إلى أسيرك".
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٩١
﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ﴾ : هو على إضمار القول، ويجوز أن يكونوا صرحوا به خطاباً للمذكورين، منعاً منهم وعن المجازاة بمثله أو الشكر، لأن إحسانهم مفعول لوجه الله تعالى، فلا معنى لمكافأة الخلق، وهذا هو الظاهر. وقال مجاهد : أما أنهم ما تكلموا به، ولكن الله تعالى علمه منهم فأثنى عليهم به. ﴿لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً﴾ : أي بالأفعال، ﴿وَلا شُكُورًا﴾ : أي ثناء بالأقوال ؛ وهذه الآية قيل نزلت في علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وذكر النقاش في ذلك حكاية طويلة جداً ظاهرة الاختلاف، وفيها إشعار للمسكين واليتيم والأسير، يخاطبون بها ببيت النبوة، وإشعار لفاطمة رضي الله عنها تخاطب كل واحد منهم، ظاهرها الاختلاف لسفساف ألفاظها وكسر أبياتها وسفاطة معانيها. ﴿يَوْمًا عَبُوسًا﴾ : نسبة العبوس إلى اليوم مجاز. قال ابن عباس : يعبس الكافر يومئذ حتى يسيل من
٣٩٥
عينيه عرق كالقطران. وقرأ الجمهور :﴿فَوْقَهُمُ﴾ بخفة القاف ؛ وأبو جعفر : بشدها ؛ ﴿وَلَقَّـاهُمْ نَضْرَةً﴾ : بدل عبوس الكافر، ﴿وَسُرُورًا﴾ : فرحاً بدل حزنه، لا تكاد تكون النظرة إلا مع فرح النفس وقرة العين. وقرأ الجمهور :﴿وَجَزَاهُم﴾ ؛ وعليّ : وجازاهم على وزن فاعل، ﴿جَنَّةً وَحَرِيرًا﴾ : بستاناً فيه كل مأكل هنيء، ﴿وَحَرِيرًا﴾ فيه ملبس بهي، وناسب ذكر الحرير مع الجنة لأنهم أوثروا على الجوع والغذاء. ﴿لا يَرَوْنَ فِيهَا﴾ : أي في الجنة، ﴿شَمْسًا﴾ : أي حر شمس ولا شدة برد، أي لا شمس فيها فترى فيؤذي حرها، ولا زمهرير يرى فيؤذي بشدته، أي هي معتدلة الهواء. وفي الحديث :"هواء الجنة سجسج لا حر ولا قر". وقيل : لا يرون فيها شمساً ولا قمراً، والزمهرير في لغة طيء القمر.