وقرأ الجمهور :﴿وَدَانِيَةً﴾، قال الزجاج : هو حال عطفاً على ﴿مُتَّكِـاِينَ﴾. وقال أيضاً : ويجوز أن يكون صفة للجنة، فالمعنى : وجزاهم جنة دانية. وقال الزمخشري : ما معناه أنها حال مطعوفة على حال وهي لا يرون، أي غير رائين، ودخلت الواو للدلالة على أن الأمرين مجتمعان لهم، كأنه قيل : وجزاهم جنة جامعين فيها بين البعد عن الحر والقر ودنوّ الظلال عليهم. وقرأ أبو حيوة : ودانية بالرفع، واستدل به الأخفش على جواز رفع اسم الفاعل من غير أن يعتمد، نحو قولك : قائم الزيدون، ولا حجة فيه لأن الأظهر أن يكون ﴿ظِلَـالُهَا﴾ مبتدأ ﴿وَدَانِيَةً﴾ خبر له. وقرأ الأعمش : ودانياً عليهم، وهو كقوله :﴿خَـاشِعَةً أَبْصَـارُهُمْ﴾. وقرأ أبيّ : ودان مرفوع، فهذا يمكن أن يستدل به الأخفش. ﴿وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا﴾، قال قتادة ومجاهد وسفيان : إن كان الإنسان قائماً، تناول الثمر دون كلفة ؛ وإن قاعداً أو مضطعجاً فكذلك، فهذا تذليلها، لا يرد اليد عنها بعد ولا شوك. فأما على قراءة الجمهور :﴿وَدَانِيَةً﴾ بالنصب، كان ﴿وَذُلِّلَتْ﴾ معطوفاً على دانية لأنها في تقدير المفرد، أي ومذللة، وعلى قراءة الرفع كان من عطف جملة فعلية على جملة اسمية. ويجوز أن تكون في موضع الحال، أي وقد ذللت رفعت دانية أو نصبت.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٩١
قوله عز وجل :﴿وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَا مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلا * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا * عَـالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌا وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَـاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا * إِنَّ هذا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا * إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ تَنزِيلا * فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ ءَاثِمًا أَوْ كَفُورًا * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلا * وَمِنَ الَّيْلِ فَاسْجُدْ لَه وَسَبِّحْهُ لَيْلا طَوِيلا * إِنَّ هَـؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلا * نَّحْنُ خَلَقْنَـاهُمْ وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُم وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَآ أَمْثَـالَهُمْ تَبْدِيلا * إِنَّ هَـاذِهِا تَذْكِرَةٌا فَمَن شَآءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِا سَبِيلا * وَمَا تَشَآءُونَ إِلا أَن يَشَآءَ اللَّه إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِى رَحْمَتِهِا وَالظَّـالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمَا ﴾. لما وصف تعالى طعامهم وسكناهم وهيئة جلوسهم، ذكر شرابهم، وقدم ذكر الآنية التي يسقون منها، والآنية جمع إناء، وتقدم شرح الأكواب. وقرأ نافع والكسائي : قواريراً قواريراً بتنوينهما وصلاً وإبداله ألفاً وقفاً ؛ وابن عامر وحمزة وأبو عمرو وحفص : بمنع صرفهما ؛ وابن كثير : بصرف الأول ومنع الصرف في الثاني. وقال الزمخشري : وهذا التنوين بدل من ألف الإطلاق لأنه فاصلة، وفي الثاني لاتباعه الأول. انتهى. وكذا قال في قراءة من قرأ سلاسلاً بالتنوين : إنه بدل من حرف الإطلاق، أجرى الفواصل مجرى أبيات الشعر، فكما أنه يدخل التنوين في القوافي المطلقة إشعاراً بترك الترنم، كما قال الراجز :
يا صاح ما هاج الدموع الذرّفن
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٩١
فهذه النون بدل من الألف، إذ لو ترنم لوقف بألف الإطلاق. ﴿مِن فِضَّةٍ﴾ : أي مخلوقة من فضة، ومعنى ﴿كَانَتْ﴾ : أنه أوجدها تعالى من قوله :﴿كُن فَيَكُونُ﴾ تفخيماً لتلك الخقلة العجيبة الشأن الجامعة بين بياض الفضة ونصوعها وشفيف القوارير وصفائها، ومن ذلك قوله :﴿كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا﴾. وقرأ الأعمش : قوارير من فضة بالرفع، أي هو قرارير. وقرأ الجمهور :﴿قَدَّرُوهَا﴾ مبنياً للفاعل، والضمير للملائكة، أو للطواف عليهم، أو المنعمين، والتقدير : على قدر الأكف، قاله الربيع ؛ أو على قدر الري، قاله مجاهد. وقال الزمخشري :﴿قَدَّرُوهَا﴾ صفة لقرارير من فضة، ومعنى تقديرهم لها أنهم قدروها في أنفسهم على مقادير وأشكال على حسب شهواتهم، فجاءت كما قدروها. وقيل : الضمير للطائفين بها يدل عليه قوله :﴿وَيُطَافُ عَلَيْهِم﴾، على أنهم قدروا شرابها على قدر الري، وهو ألذ الشراب لكونه على مقدار حاجته، لا يفضل عنها ولا يعجز. وعن مجاهد : لا يفيض ولا يغيض. انتهى. وقرأ عليّ وابن عباس والسلمي والشعبي وابن أبزي وقتادة وزيد بن عليّ والجحدري
٣٩٧


الصفحة التالية
Icon