وعبد الله بن عبيد بن عمير وأبو حيوة وعباس عن أبان، والأصمعي عن أبي عمرو، وابن عبد الخالق عن يعقوب : قدروها مبنياً للمفعول. قال أبو علي : كأن اللفظ قدروا عليها، وفي المعنى قلب لأن حقيقة المعنى أن يقال : قدرت عليهم، فهي مثل قوله :﴿مَآ إِنَّ مَفَاتِحَه لَتَنُواأُ بِالْعُصْبَةِ أُوْلِى الْقُوَّةِ﴾، ومثل قول العرب : إذا طلعت الجوزاء ألقى العود على الحرباء. وقال الزمخشري : ووجهه أن يكون من قدر منقولاً من قدر، تقول : قدرت الشيء وقدرنيه فلان إذا جعلك قادراً عليه، ومعناه : جعلوا قادرين لها كما شاءوا، وأطلق لهم أن يقدروا على حسب ما اشتهوا. انتهى.
وقال أبو حاتم : قدرت الأواني على قدر ريهم، ففسر بعضهم قول أبي حاتم هذا، قال : فيه حذف على حذف، وهو أنه كان قدر على قدر ريهم إياها، ثم حذف على فصار قدر ريهم مفعول لم يسم فاعله، ثم حذف قدر فصار ريهم قائماً مقامه، ثم حذف الري فصارت الواو مكان الهاء والميم لما حذف المضاف مما قبلها، وصارت الواو مفعول ما لم يسم فاعله، واتصل ضمير المفعول الثاني في تقدر النصب بالفعل بعد الواو التي تحولت من الهاء والميم حتى أقيمت مقام الفاعل. انتهى. والأقرب في تخريج هذه القراءة الشاذة أن يكون الأصل قدر ريهم منها تقديراً، فحذف المضاف وهو الذي، وأقيم الضمير مقامه فصار التقدير : قدروا منها ؛ ثم اتسع في الفعل فحذفت من ووصل الفعل إلى الضمير بنفسه فصار قدّروها، فلم يكن فيه إلا حذف مضاف واتساع في المجرور.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٩١
والظاهر أن الكأس تمزج بالزنجبيل، والعرب تستلذة وتذكره في وصف رضاب أفواه النساء، كما أنشدنا لهم في الكلام على المفردات. وقال الزمخشري : تسمى العين زنجبيلاً لطعم الزنجبيل فيها. انتهى. وقال قتادة : الزنجبيل اسم لعين في الجنة، يشرب منها المقربون صرفاً، ويمزج لسائر أهل الجنة. وقال الكلبي : يسقى بجامين، الأول مزاجه الكافور، والثاني مزاجه الزنجبيل. وعيناً بدل من كأس على حذف، أي كأس عين، أو من زنجبيل على قول قتادة. وقيل : منصوب على الاختصاص. والظاهر أن هذه العين تسمى سلسبيلاً بمعنى توصف بأنها سلسلة في الاتساع سهلة في المذاق، ولا يحمل سلسبيل على أنه اسم حقيقة، لأنه إذ ذاك كان ممنوع الصرف للتأنيث والعلمية. وقد روي عن طلحة أنه قرأه بغير ألف، جعله علماً لها، فإن كان علماً فوجه قراءة الجمهور بالتنوين المناسبة للفواصل، كما قال ذلك بعضهم في سلاسلاً وقواريراً ؛ ويحسن ذلك أنه لغة بعض العرب، أعني صرف ما لا يصرفه أكثر العرب. وقال الزمخشري : وقد زيدت الباء في التركيب حتى صارت الكلمة خماسية. انتهى. وكان قد ذكر فقال : شراب سلسل وسلسال وسلسيل، فإن كان عنى أنه زيد حقيقة فليس بجيد، لأن الباء ليست من حروف الزيادة المعهودة في علم النحو ؛ وإن عنى أنها حرف جاء في سنح الكلمة وليس في سلسيل ولا في سلسال، فيصح ويكون مما اتفق معناه وكان مختلفاً في المادة.
وقال بعض المعربينّ : سلسبيلاً أمر للنبي صلى الله عليه وسلّم ولأمته بسؤال السبيل إليها، وقد نسبوا هذا القول إلى علي كرم الله وجهه، ويجب طرحه من كتب التفسير. وأعجب من ذلك توجيه الزمخشري له واشتغاله بحكايته، ويذكر نسبته إلى عليّ كرم الله وجهه ورضي عنه. وقال قتادة : هي عين تنبع من تحت العرش من جنة عدن إلى الجنان. وقال عكرمة : عين سلس ماؤها. وقال مجاهد : عين جديرة الجرية سلسلة سهلة المساغ. وقال مقاتل : عين يتسلسل عليهم ماؤها في مجالسهم كيف شاءوا وتقدّم شرح ﴿مُّخَلَّدُونَ﴾ وتشبيه الولدان باللؤلؤ المنثور في بياضهم وصفاء ألوانهم وانتشارهم في المساكن في خدمة أهل الجنة يجيئون ويذهبون. وقيل : شبهوا باللؤلؤ الرطب إذا أنثر من صدفه، فإنه أحسن في العين وأبهج للنفس.
٣٩٨
وجواب ﴿إِذَا رَأَيْتَهُمْ﴾ :﴿نَعِيمًا﴾، ومفعول فعل الشرط محذوف، حذف اقتصاراً، والمعنى : وإذا رميت ببصرك هناك، وثم ظرف العامل فيه رأيت. وقيل : التقدير : وإذا رأيت ما ثم، فحذف ما كما حذف في قوله :﴿لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾، أي ما بينكم. وقال الزجاج، وتبعه الزمخشري فقال : ومن قال معناه ما ثم فقد أخطأ، لأن ثم صلة لما، ولا يجوز إسقاط الموصول وترك الصلة. انتهى. وليس بخطأ مجمع عليه، بل قد أجاز ذلك الكوفيون، وثم شواهد من لسان العرب كقوله :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٩١
فمن يهجو رسول الله منكمويمدحه وينصره سواء


الصفحة التالية
Icon