وقرأ زيد بن علي : إذ كنتم، بذال مكان النون، لما ذكر خطاباً لقريش، ﴿أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ﴾ ؟ وكان هذا الإنكار دليلاً على تكذيبهم للرسول، وإنكاراً لما جاء به. آنسه تعالى بأن عادتهم عادة الأمم السابقة من استهزائهم بالرسل، وأنه تعالى أهلك من كان أشد بطشاً من قريش، أي أكثر عدَداً وعُدداً وجلداً. ﴿وَمَضَى مَثَلُ الاوَّلِينَ﴾ : أي فليحذر قريش أن يحل بهم مثل ما حل بالأولين مكذبي الرسل من العقوبة. قال معناه قتادة : وهي العقوبة التي سارت سير المثل، وقيل : مثل الأولين في الكفر والتكذيب، وقريش سلكت مسلكها، وكان مقبلاً عليهم بالخطاب في قوله :﴿أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ﴾ ؟ فأعرض عنهم إلى إخبار الغائب في قوله :﴿فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشًا﴾. ﴿وَلَـاِن سَأَلْتَهُمْ﴾ : احتجاج على قريش بما يوجب التناقض، وهو إقرارهم بأن موجد العالم العلوي والسفلي هو الله، ثم هم يتخذون أصناماً آلهة من دون الله يعبدونهم ويعظمونهم. قال ابن عطية : ومقتضى الجواب أن يقولوا خلقهن الله، فلما ذكر تعالى المعنى، جاءت العبارة عن الله تعالى بالعزيز العليم، ليكون ذلك توطئة لما عدد من أوصافه الذي ابتدأ الإخبار بها، وقطعها من الكلام الذي حكى معناه عن قريش. انتهى. وقال الزمخشري : لينسبن خلقها إلى الذي هذه أوصافه، وليسندنه إليه. انتهى. والظاهر أن :﴿خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ نفس المحكى من كلامهم، ولا يدل كونهم ذكروا في مكان خلقهن الله، أن لا يقولوا في سؤال آخر :﴿خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾.
و﴿الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ﴾ : من كلام الله، خطاباً لهم بتذكير نعمه السابقة. وكرر الفعل في الجواب في قوله :﴿خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾، مبالغة في التوكيد. وفي غير ما سؤال، اقتصروا على ذكر اسم الله، إذ هو العلم الجامع للصفات العلا، وجاء الجواب مطابقاً للسؤال من حيث
المعنى، لا من حيث اللفظ، لأن من مبتدأ. فلو طابق في اللفظ، كان بالاسم مبتدأ، ولم يكن بالفعل. ﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ : أي إلى مقاصدكم في السفر، أو تهتدون بالنظر والاعتبار. بقدر : أي بقضاء وحتم في الأزل، أو بكفاية، لا كثيراً فيفسد، ولا قليلاً فلا يجدي. ﴿فَأَنشَرْنَا﴾ : أحيينا به. ﴿بَلْدَةً مَّيْتًا ﴾ : ذكر على معنى القطر، وبلدة اسم جنس. وقرأ أبو جعفر وعيسى : ميتاً بالتشديد. وقرأ الجمهور : تخرجون : مبنياً للمفعول ؛ وابن وثاب، وعبد الله بن جبير المصبح، وعيسى، وابن عامر، والإخوان : مبنياً للفاعل. و﴿الازْوَاجَ﴾ : الأنواع من كل شيء. قيل : وكل ما سوى الله فهو زوج، كفوق، وتحت، ويمين، وشمال، وقدام، وخلف، وماض، ومستقبل، وذوات، وصفات، وصيف، وشتاء، وربيع، وخريف ؛ وكونها أزواجاً تدل على أنها ممكنة الوجود، ويدل على أن محدثها فرد، وهو الله المنزه عن الضد والمقابل والمعارض. انتهى.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢
﴿وَالانْعَـامُ﴾ : المعهود أنه لا يركب من الأنعام إلا الإبل. ما : موصولة والعائد محذوف، أي ما يركبونه. وركب بالنسبة للعلل، ويتعدى بنفسه على المتعدي بوساطة في، إذ التقدير ما يركبونه. واللام في لتستووا : الظاهر أنها لام كي. وقال الحوفي : ومن أثبت لام الصيرورة جاز له أن يقول به هنا. وقال ابن عطية : لام الأمر، وفيه بعد من حيث استعمال أمر المخاطب بتاء الخطاب، وهو من القلة بحيث ينبغي أن لا يقاس عليه. فالفصيح المستعمل : اضرب، وقيل : لتضرب، بل نص النحويون على أنها لغة رديئة قليلة، إذ لا تكاد تحفظ إلا قراءة شاذة ؛ فبذلك فلتفرحوا بالتاء للخطاب. وما آثر المحدثون من قوله عليه الصلاة والسلام : لتأخذوا مصافاكم، مع احتمال أن الراوي روى بالمعنى، وقول الشاعر :
لتقم أنت يا ابن خير قريشكي تقضي حوائج المسلمينا