والنحويان وحفص :﴿عُذْرًا أَوْ نُذْرًا﴾ بسكون الذالين ؛ وزيد بن ثابت وابن خارجة وطلحة وأبو جعفر وأبو حيوة وعيسى والحسن : بخلاف ؛ والأعشى، عن أبي بكر : بضمهما ؛ وأبو جعفر أيضاً وشيبة وزيد بن علي والحرميان وابن عامر وأبو بكر : بسكونها في عذراً وضمها في نذراً، فالسكون على أنهما مصدران مفردان، أو مصدران جمعان. فعذراً جمع عذير بمعنى المعذرة، ونذراً جمع نذير بمعنى الإنذار. وانتصابهما على البدل من ﴿ذِكْرًا﴾، كأنه قيل : فالملقيات عذراً أو نذراً، أو على المفعول من أجله، أو على أنهما مصدران في موضع الحال، أي عاذرين أو منذرين. ويجوز مع الإسكان أن يكونا جمعين على ما قررناه. وقيل : يصح انتصاب ﴿عُذْرًا أَوْ نُذْرًا﴾ على المفعول به بالمصدر الذي هو ﴿ذِكْرًا﴾، أي فالملقيات، أي فذكروا عذراً، وفيه بعد لأن المصدر هنا لا يراد به العمل، إنما يراد به الحقيقة لقوله :﴿أَءُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ﴾. والإعذار هي بقيام الحجة على الخلق، والإنذار هو بالعذاب والنقمة. ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ﴾ : أي من الجزاء بالثواب والعقاب، ﴿لَوَاقِعٌ﴾ : وما موصولة، وإن كانت قد كتبت موصولة بأن. وهذه الجملة هي المقسم عليها. وقرأ الجمهور :﴿أَوْ نُذْرًا﴾ بواو التفصيل ؛ وإبراهيم التيمي : ونذراً بواو العطف.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٢
﴿فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ﴾ : أي أذهب نورها فاستوت مع جرم السماء، أو عبر عن إلحاق ذواتها بالطمس، وهو انتثارها وانكدارها، أو أذهب نورها ثم انتثرت ممحوقة النور. ﴿وَإِذَا السَّمَآءُ فُرِجَتْ﴾ : أي صار فيها فروج بانفطار. وقرأ عمرو بن ميمون : طمست، فرجت، بشد الميم والراء ؛ والجمهور : بخفهما. ﴿وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ﴾ : أي فرقتها الرياح، وذلك بعد التسيير وقبل كونها هباء. وقرأ الجمهور :﴿أُقِّتَتْ﴾ بالهمز وشد القاف ؛ وبتخفيف القاف والهمز النخعي والحسن وعيسى وخالد. وقرأ أبو الأشهب وعمرو بن عبيد وعيسى أيضاً وأبو عمرو : بالواو وشد القاف. قال عيسى : وهي لغة سفلى مضر. وعبد الله والحسن وأبو جعفر : بواو واحدة وخف القاف ؛ والحسن أيضاً : وقتت بواوين على وزن فوعلت، والمعنى : جعل لها وقت منتظر فحان وجاء، أو بلغت ميقاتها الذي كانت تنتظره وهو يوم القيامة، والواو في هذا كله أصل والهمزة بدل. قال الزمخشري : ومعنى توقيت الرسل : تبيين وقتها الذي يحضرون فيه للشهادة على أممهم، وجواب إذا محذوف لدلالة ما قبله عليه وتقديره : إذا كان كذا وكذا وقع ما توعدون. ﴿لايِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ﴾ : تعظيم لذلك اليوم، وتعجيب لما يقع فيه من الهول والشدة. والتأجيل من الأجل، أي ليوم عظيم أخرت، ﴿لِيَوْمِ الْفَصْلِ﴾ : أي بين الخلائق. ﴿وَيْلٌ﴾ : تقدم الكلام فيه في أول ثاني حزب من سورة البقرة، يومئذ : يوم إذ طمست النجوم وكان ما بعدها. وقرأ الجمهور :﴿نُهْلِكِ الاوَّلِينَ﴾ بضم النون، وقتادة : بفتحها. قال الزمخشري : من هلكه بمعنى أهلكه. قال العجاج :
ومهمه هالك من تعرجا
وخرج بعضهم هالك من تعرجاً على أن هالكاً هو من اللازم، ومن موصول، فاستدل به على أن الصفة المشبهة باسم الفاعل قد يكون معمولهاً موصولاً. وقرأ الجمهور :﴿نُتْبِعُهُمُ﴾ بضم العين على الاستئناف، وهو وعد لأهل مكة. ويقوي الاستئناف قراءة عبد الله : ثم سنتبعهم، بسين الاستقبال ؛ والأعرج والعباس عن أبي عمرو : بإسكانها ؛ فاحتمل أن يكون معطوفاً على ﴿نُهْلِكِ﴾، واحتمل أن يكون سكن تخفيفاً، كما سكن ﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ﴾، فهو استئناف. فعلى الاستئناف يكون الأولين الأمم التي تقدمت قريشاً أجمعاً، ويكون الآخرين من تأخر من قريش وغيرهم. وعلى التشريك يكون الأولين قوم نوح وإبراهيم عليهما السلام ومن كان معهم، والآخرين قوم فرعون ومن تأخر وقرب من مدة رسول الله صلى الله عليه وسلّم. والإهلاك هنا إهلاك العذاب والنكال، ولذلك جاء ﴿كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ﴾، فأتى بالصفة المقتضية لإهلاك العذاب وهي الإجرام.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٢
ولما ذكر إفناء
٤٠٥