الوقف، لأن الأكثر في الوقف على ما الاستفهامية هو بإلحاق هاء السكت، إلا إذا أضيفت إليها فلا بد من الهاء في الوقف، نحو : بحي مه. والاستفهام عن هذا فيه تفخيم وتهويل وتقرير وتعجيب، كما تقول : أي رجل زيد ؟ وزيد ما زيد، كأنه لما كان عديم النظير أو قليله خفيّ عليك جنسه فأخذت تستفهم عنه. ثم جرد العبارة عن تفخيم الشيء، فجاء في القرآن، والضمير في ﴿يَتَسَآءَلُونَ﴾ لأهل مكة. ثم أخبر تعالى أنهم ﴿يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ﴾، وهو أمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وما جاء به من القرآن. وقيل : الضمير لجميع العالم، فيكون الاختلاف تصديق المؤمن وتكذيب الكافر. وقيل : المتسأل فيه البعث، والاختلاف فيه عم متعلق بيتساءلون. ومن قرأ عمه بالهاء في الوصل فقد ذكرنا أنه يكون أجرى الوصل مجرى الوقف، وعن النبأ متعلق بمحذوف، أي يتساءلون عن النبأ. وأجاز الزمخشري أن يكون وقف على عمه، ثم ابتدأ بيتسألون عن النبأ العظيم على أن يضمر لعمه يتساءلون، وحذفت لدلالة ما بعدها عليه، كشيء مبهم ثم يفسر. وقال ابن عطية : قال أكثر النحاة قوله ﴿عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ﴾ متعلق بيتساءلون، الظاهر كأنه قال : لم يتساءلون عن النبأ العظيم ؟ وقال الزجاج : الكلام تام في قوله ﴿عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ﴾، ثم كان مقتضى القول أن يجيب مجيب فيقول : يتساءلون عن النبأ، فاقتضى إيجاز القرآن وبلاغته أن يبادر المحتج بالجواب الذي يقتضيه الحال، والمجاورة اقتضاء بالحجة وإسراعاً إلى موضع قطعهم. وقرأ عبد الله وابن جبير : يسألون بغير تاء وشد السين، وأصله يتساءلون بتاء الخطاب، فأدغم التاء الثانية في السين. ﴿كَلا﴾ : ردع للمتسائلين. وقرأ الجمهور : بياء الغيبة فيهما. وعن الضحاك : الأول بالتاء على الخطاب، والثاني بالياء على الغيبة. وهذا التكرار توكيد في الوعيد وحذف ما يتعلق به العلم على سبيل التهويل، أي سيعلمون ما يحل بهم.
ثم قررهم تعالى على النظر في آياته الباهرة وغرائب مخلوقاته التي ابتدعها من العدم الصرف، وأن النظر في ذلك يفضي إلى الإيمان بما جاءت به الرسل من البعث والجزاء، فقال :﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الارْضَ مِهَـادًا﴾، فبدأ بما هم دائماً يباشرونه، والمهاد : الفراش الموطأ. وقرأ الجمهور :﴿مِهَـادًا﴾ ؛ ومجاهد وعيسى وبعض الكوفيين : مهداً، بفتح الميم وسكون الهاء، ولم ينسب ابن عطية عيسى في هذه القراءة. وقال ابن خالويه : مهداً على التوحيد، مجاهداً وعيسى الهمداني وهو الحوفي، فاحتمل أن يكون قول ابن عطية وبعض الكوفيين كناية عن عيسى الهمداني. وإذا أطلقوا عيسى، أو قالوا عيسى البصرة، فهو عيسى بن عمر الثقفي. وتقدم الكلام في المهاد في البقرة في أول حزب، ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ﴾. ﴿وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا﴾ : أي ثبتنا الأرض بالجبال، كما ثبت البيت بالأوتاد. قال الأفوه :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٩
والبيت لا ينبني إلا له عمدولا عماد إذا لم ترس أوتاد
﴿أَزْوَاجًا﴾ : أي أنواعاً من اللون والصورة واللسان. وقال الزجاج وغيره : مزدوجين، ذكراً وأنثى. ﴿سُبَاتًا﴾ : سكوناً وراحة. سبت الرجل : استراح وترك الشغل، والسبات علة معروفة يفرط على الإنسان السكوت حتى يصير قاتلاً، والنوم شبيه به إلا في الضرر. وقال قتادة : النائم مسبوت لا يعقل، كأنه ميت. ﴿لِبَاسًا﴾ : أي يستترون به عن العيون فيما لا يحبون أن يظهر عليه. ﴿وَجَعَلْنَا النَّهَارَ﴾ : قابل النوم بالنهار، إذ فيه اليقظة. ﴿مَعَاشًا﴾ : وقت عيش، وهو الحياة تتصرفون فيه في حوائجكم. ﴿سَبْعًا﴾ : أي سموات، ﴿شِدَادًا﴾ : محكمة الخلق قوية لا تتأثر بمرور الأعصار إلا إذا أراد الله عز وجل. وقال الشاعر :
فلما جئته أعلى محليوأجلسني على السبع الشداد
﴿سِرَاجًا﴾ : هو الشمس، ﴿وَهَّاجًا﴾ : حاراً مضطرم الاتقاد. وقال عبد الله بن عمرو. الشمس في السماء الرابعة، إلينا ظهرها، ولهيبها يضطرم علواً. ﴿مِنَ الْمُعْصِرَاتِ﴾، قال أبي والحسن وابن جبير وزيد بن أسلم وقتادة ومقاتل : هي السموات. وقال ابن عباس وأبو العالية والربيع والضحاك : السحاب القاطرة، مأخوذ من العصر، لأن السحاب ينعصر فيخرج منه الماء. وقيل : السحاب التي فيها الماء ولم تمطر. وقال ابن كيسان : سميت بذلك من حيث تغيث، فهي من العصرة، ومنه قوله :﴿وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾. والعاصر : المغيث، فهو ثلاثي ؛ وجاء هنا من أعصر : أي دخلت في حين العصر، فحان لها أن تعصر، وأفعل للدخول في الشيء. وقال ابن عباس أيضاً ومجاهد وقتادة : الرياح لأنها تعصر السحاب، جعل الإنزال منها لما كانت سبباً فيه. وقرأ ابن الزبير وابن عباس والفضل بن عباس أخوه وعبد الله بن يزيد وعكرمة
٤١١


الصفحة التالية
Icon