وقال قوم : ليس المراد بتبع رجلاً واحداً، إنما المراد ملوك اليمن، وكانوا يسمون التتابعة. والذي يظهر أنه أراد واحداً من هؤلاء، تعرفه العرب بهذا الاسم أكثر من معرفة غيره به. وفي الحديث :"لا تسبوا تبعاً فإنه كان مؤمناً"، فهذا يدل على أنه واحد بعينه. قال الجوهري : التتابعة ملوك اليمن، والتبع : الظل، والتبع : ضرب من الطير. وقال أبو القاسم السهيلي : تبع لكل ملك اليمن، والشحر حضرموت، وملك اليمن وحده لا يسمى تبعاً، قاله المسعودي. والخيرية الواقعة فيها التفاضل، وكلا الصنفين لا خير فهم، هي بالنسبة للقوة والمنعة، كما قال :﴿أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُولَئكُمْ﴾ ؟ بعد ذكر آل فرعون في تفسير ابن عباس : أهم أشد أم قوم تبع ؟ وإضافة قوم إلى تبع دليل على أنه لم يكن مذهبهم. ﴿أَهْلَكْنَاهُم إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ : إخبار عما فعل تعالى بهم، وتنبيه على أن علة الإهلاك هي الإجرام، وفي ذلك وعيد لقريش، وتهديد أن يفعل بهم ما فعل بقوم تبع ومن قبلهم من مكذبي الرسل لإجرامهم، ثم ذكر الدليل القاطع على صحة القول بالبعث، وهو خلق العالم بالحق. وقرأ الجمهور :﴿وَمَا بَيْنَهُمَآ﴾ من الجنسين، وعبيد بن عميس : وما بينهن لاعبين. قال مقاتل : عابثين.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٠
﴿مَا خَلَقْنَاهُمَآ إِلا بِالْحَقِّ﴾ : أي بالعدل، يجازي المحسن والمسيء بما أراد تعالى من ثواب وعقاب. ﴿وَلَاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ أنه تعالى خلق ذلك، فهم لا يخافون عقاباً ولا يرجون ثواباً. وقرىء : ميقاتهم، بالنصب، على أنه اسم إن، والخبر يوم الفصل، أي : إن يوم الفصل ميعادهم وجزاؤهم، ﴿يَوْمَ لا يُغْنِى مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْاًا﴾ يعم جميع الموالي من القرابة والعتاقة والصلة شيئاً من إغناء، أي قليلاً منه :﴿وَلا هُمْ يُنصَرُونَ﴾ : جمع، لأن عن مولى في سياق النفي فيعم، فعاد على المعنى، لا على اللفظ. ﴿إِلا مَن رَّحِمَ اللَّهُ﴾، قال الكسائي : من رحم : منصوب على الاستثناء المنقطع، أي لكن من رحمه الله لا ينالهم ما يحتاجون فيه من لعنهم من المخلوقين. قيل : ويجوز أن يكون الاستثناء متصلاً، أي لا يغني قريب عن قريب إلا المؤمنين، فإنه يؤذن لهم في شفاعة بعضهم لبعض. وقال الحوفي : ويجوز أن يكون بدلاً من مولى المرفوع، ويكون يغني بمعنى ينفع. وقال الزمخشري :﴿مَن رَّحِمَ اللَّهُ﴾، في محل الرفع على البدل من الواو في ﴿يُنصَرُونَ﴾، أي لا يمنع من العذاب إلا من رحم الله ؛ وقاله الحوفي قبله. ﴿إِنَّه هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ : لا ينصر من عصاه، الرحيم لمن أطاعه ومن عفا عنه.
﴿إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ﴾ : قرىء بكسر الشين، وتقدم الكلام فيها في سورة الصافات. ﴿طَعَامُ الاثِيمِ﴾ : صفة مبالغة، وهو الكثير الآثام، ويقال له : أثوم، صفة مبالغة أيضاً، وفسر بالمشرك. وقال يحيى بن سلام : المكتسب للإثم. وعن ابن زيدان : الأثيم هنا هو أبو جهل، وقيل : الوليد. ﴿كَالْمُهْلِ﴾ : هو دردي الزيت، أو مذاب الفضة، أو مذاب النحاس، أو عكر القطران، أو الصديد ؛ أولها لابن عمر وابن عباس، وآخرها لابن عباس. وقال الحسن : كالمهل، بفتح الميم : لغة فيه. وعن ابن مسعود، وابن عباس أيضاً : المهل : ما أذيب من ذهب، أو فضة، أو حديد، أو رصاص. وقرأ مجاهد، وقتادة، والحسن، والابنان، وحفص : يغلي، بالياء، أي الطعام. وعمرو بن ميمون، وأبو رزين، والأعرج، وأبو جعفر، وشيبة،
٣٩
وابن محيصن، وطلحة، والحسن : في رواية، وباقي السبعة : تغلي بالتاء، أي الشجرة. ﴿كَغَلْىِ﴾ : وهو الماء المسخن الذي يتطاير من غليانه. ﴿فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ﴾، يقال للزبانية : خذوه فاعتلوه، أي سوقوه بعنف وجذب. وقال الأعمش : معنى اتعلوه : اقصفوه كما يقصف الحطب إلى سواء الجحيم. قال ابن عباس : وسطها. وقال الحسن : معظمها. وقرأ الجمهور : فاعتلوه، بكسر التاء، وزيد بن علي، والابنان، ونافع : بضمها ؛ والخلاف عن الحسن، وقتادة، والأعرج، وأبي عمرو.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٠
﴿ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِا مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ﴾ : وفي الحج يصيب من فوق رؤوسهم الحميم، والمصبوب في الحقيقة هو الحميم، فتارة اعتبرت الحقيقة، وتارة اعتبرت الاستعارة، لأنه أذم من الحميم، فقد صب ما تولد عنه من الآلام والعذاب، فعبر بالمسبب عن السبب، لأن العذاب هو المسبب عن الحميم، ولفظة العذاب أهول وأهيب. ﴿ذُقْ﴾ : أي العذاب، ﴿إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾، وهذا على سبيل التهكم والهزء لمن كان يتعزز ويتكرم على قومه. وعن قتادة، أنه لما نزلت :﴿إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الاثِيمِ﴾، قال أبو جهل : أتهددني يا محمد ؟ وإن ما بين لابتيها أعز مني ولا أكرم، فنزلت هذه الآية، وفي آخرها :﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾، أي على قولك، وهذا كما قال جرير :


الصفحة التالية
Icon