ومن كلام أحدهم وهو يستفتي الحلق أحب إليك أم القصار، يريد التقصير، يعني في الحج. وقال الزمخشري : وفعال في باب فعل كله فاش في كلام فصحاء من العرب لا يقولون غيره، وسمعني بعضهم أفسر آية فقال : لقد فسرتها فساراً ما سمع بمثله. وقرأ علي وعوف الأعرابي وأبو رجاء والأعمش وعيسى بخلاف عنه بخف الذال. قال صاحب اللوامح علي وعيسى : البصرة، وعوف الأعرابي : كذاباً، كلاهما بالتخفيف، وذلك لغة اليمن بأن يجعلوا مصدر كذب مخففاً، كذاباً بالتخفيف مثل كتب كتاباً، فصار المصدر هنا من معنى الفعل دون لفظه، مثل أعطيته عطاء. انتهى. وقال الأعشى :
فصدقتها وكذبتهاوالمرء ينفعه كذابه
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٩
وقال الزمخشري : هو مثل قوله :﴿أَنابَتَكُم مِّنَ الارْضِ نَبَاتًا﴾ يعني : وكذبوا بآياتنا فكذبوا كذاباً، أو تنصبه بكذبوا لا يتضمن معنى كذبوا، لأن كل مكذب بالحق كاذب ؛ وإن جعلته بمعنى المكاذبة فمعناه : وكذبوا بآياتنا فكاذبوا مكاذبة، أو كذبوا بها مكاذبين لأنهم إذا كانوا عند المسلمين كاذبين وكان
٤١٤
المسلمون عندهم كاذبين فبينهم مكاذبة، أو لأنهم يتكلمون بما هو إفراط في الكذب، فعل من يغالب في أمر فيبلغ فيه أقصى جهده. انتهى. والأظهر الإعراب الأول وما سواه تكلف، وفي كتاب ابن عطية وكتاب اللوامح. وقرأ عبد الله بن عمر بن عبد العزيز : وفي كتاب ابن خالويه عمر بن عبد العزيز والماجشون، ثم اتفقوا كذاباً بضم الكاف وشد الذال، فخرج على أنه جمع كاذب وانتصب على الحال المؤكدة، وعلى أنه مفرد صفة لمصدر، أي تكذيباً كذاباً مفرطاً في التكذيب. وقرأ الجمهور :﴿وَكُلَّ شَىْءٍ﴾ بالنصب : وأبو السمال : بالرفع، وانتصب ﴿كِتَـابًا﴾ على أنه مصدر من معنى ﴿أَحْصَيْنَـاهُ﴾ أي إحصاء، أو يكون ﴿أَحْصَيْنَـاهُ﴾ في معنى كتبناه. والتجوز إما في المصدر وإما في الفعل وذلك لالتقائهما في معنى الضبط، أو على أنه مصدر في موضع الحال، أو مكتوباً في اللوح وفي مصحف الحفظة. ﴿وَكُلَّ شَىْءٍ﴾ عام مخصوص، أي كل شيء مما يقع عليه الثواب والعقاب، وهي جملة اعتراض معترضة، وفذوقوا مسبب عن كفرهم بالحساب، فتكذيبهم بالآيات. وقال عبد الله بن عمر : وما نزلت في أهل النار آية أشد من هذه، ورواه أبو بردة عن النبي صلى الله عليه وسلّم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٩
ولما ذكر شيئاً من حال أهل النار، ذكر ما لأهل الجنة فقال :﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا﴾ : أي موضع فوز وظفر، حيث زحزحوا عن النار وأدخلوا الجنة. و﴿حَدَآاِقَ﴾ بدل من ﴿مَفَازًا﴾ وفوزاً، فيكون أبدل الجرم من المعنى على حذف، أي فوز حدائق، أي بها. ﴿دِهَاقًا﴾، قال الجمهور : مترعة. وقال مجاهد وابن جبير : متتابعة. وقرأ الجمهور :﴿وَلا كِذاَّبًا﴾ بالتشديد، أي لا يكذب بعضهم بعضاً. وقرأ الكسائي بالتخفيف، كاللفظ الأول في قوله تعالى :﴿وَكَذَّبُوا بِـاَايَـاتِنَا كِذَّابًا﴾، مصدر كذب ومصدر كاذب. قال الزمخشري :﴿جَزَآءُ﴾ : مصدر مؤكد منصوب بمعنى قوله :﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا﴾، كأنه قال : جازى المتقين بمفاز وعطاء نصب بجزاء نصب المفعول به، أي جزاءهم عطاء. انتهى. وهذا لا يجوز لأنه جعله مصدراً مؤكداً لمضمون الجملة التي هي ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا﴾، والمصدر المؤكد لا يعمل، لأنه ليس ينحل بحرف مصدري والفعل، ولا نعلم في ذلك خلافاً. وقرأ الجمهور :﴿حِسَابًا﴾، وهو صفة لعطاء، أي كافياً من قولهم : أحسبني الشيء : أي كفاني. وقال مجاهد : معنى حساباً هنا بتقسيط على الأعمال، أو دخول الجنة برحمة الله والدرجات فيها على قدر الأعمال، فالحساب هنا بموازنة الأعمال. وقرأ ابن قطيب : حساباً، بفتح الحاء وشد السين. قال ابن جني : بني فعالاً من أفعل، كدراك من أدرك. انتهى، فمعناه محسباً، أي كافياً. وقرأ شريح بن يزيد الحمصي وأبو البرهشيم : بكسر الحاء وشد السين، وهو مصدر مثل كذاب أقيم مقام الصفة، أي إعطاء محسباً، أي كافياً. وقرأ ابن عباس وسراح : حسناً بالنون من الحسن، وحكى عنه المهدوي حسباً بفتح الحاء وسكون السين والباء، نحو قولك : حسبك كذا، أي كافيك.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٩


الصفحة التالية
Icon