﴿وَالنَّـاشِطَـاتِ﴾، قال ابن عباس ومجاهد : الملائكة تنشط النفوس عند الموت، أي تخلها وتنشط بأمر الله إلى حيث كان. وقال ابن عباس أيضاً وقتادة والحسن والأخفش : النجوم تنشط من أفق إلى أفق، تذهب وتسير بسرعة. وقال مجاهد أيضاً : المنايا. وقال عطاء : البقر الوحشية وما جرى مجراها من الحيوان الذي ينشط من قطر إلى قطر. وقال ابن عباس أيضاً : النفوس المؤمنة تنشط عند الموت للخروج. وقيل : التي تنشط للإزهاق.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤١٦
﴿وَالسَّـابِحَـاتِ﴾، قال عليّ ومجاهد : الملائكة تتصرّف في الآفاق بأمر الله، تجيء وتذهب. وقال قتادة والحسن : النجوم تسبح في الأفلاك. وقال أبو روق : الشمس والقمر والليل والنهار. وقال عطاء وجماعة : الخيل، يقال للفرس سابح. وقيل : السحاب لأنها كالعائمة في الهواء. وقيل : الحيتان دواب البحر فما دونها وذلك من عظم المخلوقات، فيبدي أنه تعالى أمدّ في الدنيا نوعاً من الحيوان، منها أربعمائة في البر وستمائة في البحر. وقال عطاء أيضاً : السفن. وقال مجاهد أيضاً : المنايا تسبح في نفوس الحيوان.
﴿فَالسَّـابِقَـاتِ﴾، قال مجاهد : الملائكة سبقت بني آدم بالخير والعمل الصالح، وقاله أبو روق. وقال ابن مسعود : أنفس المؤمنين تسبق إلى الملائكة الذين يقبضونها، وقد عاينت السرور شوقاً إلى لقاء الله تعالى. وقال عطاء : الخيل، وقيل : النجوم، وقيل : المنايا تسبق الآمال. ﴿فَالْمُدَبِّرَاتِ﴾، قال ابن عطية لا أحفظ خلافاً أنها الملائكة، ومعناه أنها التي تدبر الأمور التي سخرها الله تعالى وصرفها فيها، كالرياح والسحاب وسائر المخلوقات. انتهى. وقيل : الملائكة الموكلون بالأحوال : جبريل للوحي، وميكائيل للمطر، وإسرافيل للنفخ في الصور، وعزرائيل لقبض الأرواح. وقيل : تدبيرها : نزولها بالحلال والحرام. وقال معاذ : هي الكواكب السبعة، وإضافة التدبير إليها مجاز، أي يظهر تقلب الأحوال عند قرانها وتربيعها وتسديسها وغير ذلك.
ولفق الزمخشري من هذه الأقوال أقوالاً اختارها وأدارها أولاً على ثلاثة : الملائكة أو الخيل أو النجوم. ورتب جميع الأوصاف على كل واحد من الثلاثة، فقال : أقسم سحابة بطوائف الملائكة التي هي تنزع الأرواح من الأجساد، وبالطوائف التي تنشطها، أي تخرجها من نشط الدلو من البئر إذا أخرجها، وبالطوائف التي تسبح في مضيها، أي تسرع فتسبق إلى ما أمروا به فتدبر أمراً من أمور العباد مما يصلحهم في دينهم أو دنياهم ؛ كما رسم لهم غرقاً، أي إغراقاً في النزع، أي تنزعها من أقاصي الأجساد من أناملها وأظافرها. أو أقسم بخيل الغزاة التي تنزع في أعنتها إلى آخر ما نقلناه ؛ ثم قال : من قولك : ثور ناشط، إذا خرج من بلد إلى بلد،
٤١٩
والتي تسبح في جريتها فتسبق إلى الغاية فتدبر أمر الغلبة والظفر، وإسناد التدبير إليها لأنها من أسبابه. أو أقسم بالنجوم التي تنزع من المشرق إلى المغرب، وإغراقها في النزع أن تقطع الفلك كله حتى تنحط من أقصى المغرب، والتي تخرج من برج إلى برج، والتي تسبح في الفلك من السيارة فتسبق فتدبر أمراً في علم الحساب.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤١٦