وقيل : النازعات : أيدي الغزاة أو أنفسهم تنزع القسي بإغراق السهام والتي تنشط الإرهاق. انتهى. والذي يظهر أن ما عطف بالفاء هو من وصف المقسم به قبل الفاء، وأن المعطوف بالواو وهو مغاير لما قبله، كما قرّرناه في المرسلات، على أنه يحتمل أن يكون المعطوف بالواو ومن عطف الصفات بعضها على بعض. والمختار في جواب القسم أن يكون محذوفاً وتقديره : لتبعثن لدلالة ما بعده عليه، قاله الفراء. وقال محمد بن عليّ الحكيم الترمذي : الجواب :﴿إِنَّ فِى ذَالِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى ﴾، والمعنى فيما اقتصصت من ذكر يوم القيامة وذكر موسى عليه السلام وفرعون. قال ابن الانباري : وهذا قبيح لأن الكلام قد طال. وقيل : اللام التي تلقى بها القسم محذوفة من قوله :﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ﴾، أي ليوم كذا، ﴿تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ﴾، ولم تدخل نون التوكيد لأنه قد فصل بين اللام المقدرة والفعل ؛ وقول أبي حاتم هو علي التقديم والتأخير، كأنه قال :﴿فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ﴾. ﴿وَالنَّـازِعَـاتِ﴾، قال ابن الأنباري : خطأ لأن الفاء لا يفتتح بها الكلام. وقيل : التقدير :﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ﴾، ﴿وَالنَّـازِعَـاتِ﴾ على التقديم والتأخير أيضاً وليس بشيء. وقيل : الجواب :﴿هَلْ أَتَـاكَ حَدِيثُ مُوسَى ﴾، لأنه في تقدير قد أتاك وليس بشيء، وهذا كله إعراب من لم يحكم العربية، وحذف الجواب هو الوجه، ويقرب القول بحذف اللام من ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ﴾. قال ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد : هما الصيحتان، أي النفختان، الأولى تميت كل شيء، وفي الثانية تحيي. وقال مجاهد أيضاً : الواجفة : الزلزلة، والرادفة : الصيحة. وقال ابن زيد : الواجفة : الأرض، والرادفة : الساعة، والعامل في يوم اذكر مضمرة، أو لتبعثن المحذوف ؛ واليوم متسع تقع فيه النفختان، وهم يبعثون في بعض ذلك اليوم المتسع، وتتبعها حال. قيل : أو مستأنف. واجفة : مضطربة، ووجيف القلب يكون من الفزع ويكون من الإشفاق، ومنه قول قيس بن الخطيم :
إن بني حجباً وأسرتهمأكبادنا من ورائهم تجف
﴿قُلُوبٌ﴾ : مبتدأ، ﴿وَاجِفَةٌ﴾ : صفة تعمل في ﴿يَوْمَـاِذٍ﴾، ﴿أَبْصَـارُهَا﴾ : أي أبصار أصحاب القلوب، ﴿خَـاشِعَةٌ﴾ : مبتدأ وخبر في موضع خبر ﴿قُلُوبٌ﴾. وقال ابن عطية : رفع قلوب بالابتداء، وجاز ذلك، وهي نكرة لأنها قد تخصصت بقوله :﴿يَوْمَـاِذٍ﴾. انتهى. ولا تتخصص الأجرام بظروف الزمان، وإنما تخصصت بقوله :﴿وَاجِفَةٌ﴾. ﴿يَقُولُونَ﴾ : حكاية حالهم في الدنيا، والمعنى : هم الذين يقولون. و، قال مجاهد : فاعلة بمعنى مفعولة. وقيل : على النسب، أي ذات حفر، والمراد القبور، أي لمردودون أحياء في قبورنا. وقال زيد بن أسلم : الحافرة : النار. وقيل : جمع حافرة بمعنى القدم، أي أحياء نمشي على أقدامنا ونطأ بها الأرض. وقال ابن عباس : الحياة الثانية هي أول الأمر، وتقول التجار : النقد في الحافرة، أي في ابتداء السوم. وقال الشاعر :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤١٦
آليت لا أنساكم فاعلمواحتى ترد الناس في الحافرة
وقرأ أبو حيوة وأبو بحرية وابن أبي عبلة : في الحفرة بغير ألف ؛ والجمهور : بالألف. وقيل : هما بمعنى واحد. وقيل : هي الأرض المنبتة المتغيرة بأجساد موتاها، من قولهم : حفرت أسنانه إذا تآكلت وتغيرت. وقرأ عمر وأبي وعبد الله وابن الزبير وابن عباس ومسروق ومجاهد والأخوان وأبو بكر : ناخرة بألف ؛ وأبو رجاء والحسن والأعرج وأبو جعفر وشيبة والسلمي وابن جبير والنخعي
٤٢٠
وقتادة وابن وثاب وأيوب وأهل مكة وشبل وباقي السبعة : بغير ألف. ﴿قَالُوا تِلْكَ إِذًا﴾ : أي الردة إلى الحافرة إن رددنا، كرَّةٌ خَسِرَة : أي قالوا ذلك لتكذيبهم بالغيب، أي لو كان هذا حقاً، لكانت ردتنا خاسرة، إذ هي إلى النار. وقال الحسن : خاسرة : كاذبة، أي ليست بكافية، وهذا القول منهم استهزاء. وروي أن بعض صناديد قريش قال ذلك. ﴿فَإِنَّمَا هِىَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ لما تقدم. ﴿يَقُولُونَ أَءِنَّا لَمَرْدُودُونَ﴾ : تضمن قولهم استبعاد النشأة الثانية واستضعاف أمرها، فجاء قوله :﴿فَإِنَّمَا﴾ مراعاة لما دل عليه استبعادهم، فكأنه قيل : ليس بصعب ما تقولون، فإنما هي نفخة واحدة، فإذا هم منشورون أحياء على وجه الأرض. قال ابن عباس : الساهرة أرض من فضة يخلقها الله تعالى. وقال وهب بن منبه : جبل بالشام يمده الله تعالى يوم القيامة لحشر الناس. وقال أبو العالية وسفيان : أرض قريبة من بيت المقدس. وقال ابن عباس : أرض مكة. وقال قتادة : جهنم، لأنه لا نوم لمن فيها. رأى أن الضمائر قبلها إنما هي للكفار ففسرها بجهنم. وقيل : الأرض السابعة يأتي بها الله يحاسب عليها الخلائق.


الصفحة التالية
Icon