قوله عز وجل :﴿أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَآءُا بَنَـاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَـاهَا * وَالارْضَ بَعْدَ ذَالِكَ دَحَـاهَآ * أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَـاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَـاهَا * مَتَـاعًا لَّكُمْ وَلانْعَـامِكُمْ * فَإِذَا جَآءَتِ الطَّآمَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الانسَـانُ مَا سَعَى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى * فَأَمَّا مَن طَغَى * وَءَاثَرَ الْحَيَواةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِىَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِا وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِىَ الْمَأْوَى * يَسْـاَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَـاهَا * فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَآ * إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَـاهَآ * إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَـاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ﴾.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤١٦
الخطاب الظاهر أنه عام، والمقصود الكفار منكر والبعث، وقفهم على قدرته تعالى. ﴿أَشَدُّ خَلْقًا﴾ : أي أصعب إنشاء، ﴿أَمِ السَّمَآءُ﴾، فالمسؤول عن هذا يجيب ولا بد السماء، لما يرى من ديمومة بقائها وعدم تأثيرها. ثم بين تعالى كيفية خلقها. ﴿رَفَعَ سَمْكَهَا﴾ : أي جعل مقدارها بها في العلوّ مديداً رفيعاً مقدار خمسمائة عام، والسمك : الارتفاع الذي بين سطح السماء التي تليها وسطحها الأعلى الذي يلى ما فوقها، ﴿فَسَوَّاهَا﴾ : أي جعلها ملساء مستوية، ليس فيها مرتفع ولا منخفض، أو تممها وأتقن إنشاءها بحيث أنها محكمة الصنعة.
٤٢٢
﴿وَأَغْطَشَ﴾ : أي أظلم، ﴿لَيْلَهَا﴾. ﴿وَأَخْرَجَ﴾ : أبرز ضوء شمسها، كقوله تعالى :﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَـاهَا﴾، وقولهم : وقت الضحى : الوقت الذي تشرق فيه الشمس. وأضيف الليل والضحى إلى السماء، لأن الليل ظلها، والضحى هو نور سراجها.
﴿وَالارْضَ بَعْدَ ذَالِكَ﴾ : أي بعد خلق السماء وما فعل فيها، ﴿دَحَـاهَآ﴾ : أي بسطها، فخلق الأرض ثم السماء ثم دحا الأرض. وقرأ الجمهور :﴿وَالارْضَ﴾، ﴿وَالْجِبَالَ﴾ بنصبهما ؛ والحسن وأبو حيوة وعمرو بن عبيد وابن أبي عبلة وأبو السمال : برفعهما ؛ وعيسى : برفع الأرض. وأضيف الماء والمرعى إلى الأرض لأنهما يظهران منها. والجمهور :﴿مَتَـاعًا﴾ بالنصب، أي فعل ذلك تمتيعاً لكم ؛ وابن أبي عبلة : بالرفع، أي ذلك متاع. وقال الزمخشري : فإن قلت : فهلا أدخل حرف العطف على أخرج ؟ قلت : فيه وجهان، أحدهما : أن يكون معنى ﴿دَحَـاهَآ﴾ : بسطها ومهدها للسكنى، ثم فسر التمهيد بما لا بد منه في تأتي سكناها من تسوية أمر المأكل والمشرب وإمكان القرار عليها. والثاني : أن يكون أخرج حالاً بإضمار قد، كقوله :﴿أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ﴾. انتهى. وإضمار قد قول للبصريين ومذهب الكوفيين. والأخفش : أن الماضي يقع حالاً، ولا يحتاج إلى إضمار قد، وهو الصحيح. ففي كلام العرب وقع ذلك كثيراً. انتهى. ﴿وَمَرْعَـاهَا﴾ : مفعل من الرعي، فيكون مكاناً وزماناً ومصدراً، وهو هنا مصدر يراد به اسم المفعول، كأنه قيل : ومرعيها : أي النبات الذي يرعى. وقدم الماء على المرعى لأنه سبب في وجود المرعى، وشمل ﴿وَمَرْعَـاهَا﴾ ما يتقوت به الآدمي والحيوان غيره، فهو في حق الآدمي استعارة، ولهذا قيل : دل الله سبحانه وتعالى بذكر الماء والمرعى على عامة ما يرتفق به ويتمتع مما يخرج من الأرض حتى الملح، لأنه من الماء.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤١٦
﴿فَإِذَا جَآءَتِ الطَّآمَّةُ﴾، قال ابن عباس والضحاك : القيامة. وقال ابن عباس أيضاً والحسن : النفخة الثانية. وقال القاسم : وقت سوق أهل الجنة إليها، وأهل النار إليها، وهو معنى قول مجاهد. ﴿يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الانسَـانُ مَا سَعَى ﴾ : أي عمله الذي كان سعى فيه في الدنيا. وقرأ الجمهور :﴿وَبُرِّزَتِ﴾ مبني للمفعول مشدد الراء، ﴿لِمَن يَرَى ﴾ بياء الغيبة : أي لكل أحد، فيشكر المؤمن نعمة الله. وقيل :﴿لِمَن يَرَى ﴾ هو الكافر ؛ وعائشة وزيد بن علي وعكرمة ومالك بن دينار : مبنياً للفاعل مخففاً وبتاء، يجوز أن يكون خطاباً للرسول صلى الله عليه وسلّم، أي لمن ترى من أهلها، وأن يكون إخبار عن الجحيم، فهي تاء التأنيث. قال تعالى :﴿إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ﴾. وقال أبو نهيك وأبو السمال وهارون عن أبي عمرو : وبرزت مبنياً ومخففاً، و﴿يَوْمَ يَتَذَكَّرُ﴾ : بدل من ﴿فَإِذَا﴾ ؛ وجواب إذا، قال الزمخشري : فإن الأمر كذلك. وقيل : عاينوا وعلموا. ويحتمل أن يكون التقدير : انقسم الراؤون قسمين، والأولى أن يكون الجواب : فأما وما بعده، كما تقول : إذا جاءك بنو تميم، فأما العاصي فأهنه، وأما الطائع فأكرمه.