﴿انكَدَرَتْ﴾، عن ابن عباس : تساقطت ؛ وعنه أيضاً : تغيرت فلم يبق لها ضوء لزوالها عن أماكنها، من قولهم : ماء كدر : أي متغير. وتسيير الجبال : أي عن وجه الأرض، أو سيرت في الجو تسيير السحاب، كقوله :﴿وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ﴾، وهذا قبل نسفها، وذلك في أول هول يوم القيامة. والعشار : أنفس ما عند العرب من المال، وتعطيلها : تركها مسيبة مهملة، أو عن الحلب لاشتغالهم بأنفسهم، أو عن أن يحمل عنها الفحول ؛ وأطلق عليها عشاراً باعتبار ما سبق لها ذلك. قال القرطبي : وهذا على وجه المثل، لأنه في القيامة لا يكون عشراء، فالمعنى : أنه لو كان عشراء لعطلها أهلها واشتغلوا بأنفسهم. وقيل : إذا قاموا من القبور شاهدوا الوحوش والدواب محشورة وعشارهم فيها التي كانت كرائم أموالهم، لم يعبؤا بها لشغلهم بأنفسهم. وقيل : العشار : السحاب، وتعطيلها من الماء فلا تمطر. والعرب تسمي السحاب بالحامل. وقيل : العشار : الديار تعطل فلا تسكن. وقيل : العشار : الأرض التي يعشر زرعها، تعطل فلا تزرع.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٣٠
وقرأ الجمهور :﴿عُطِّلَتْ﴾ بتشديد الطاء ؛ ومضر عن اليزيدي : بتخفيفها، كذا في كتاب ابن خالويه، وفي كتاب اللوامح عن ابن كثير، قال في اللوامح، وقيل : هو وهم إنما هو عطلت بفتحتين بمعنى تعطلت، لأن التشديد فيه التعدي، يقال : منه عطلت الشيء وأعطلته فعطل بنفسه، وعطلت المرأة فهي عاطل إذا لم يكن عليها الحلى، فلعل هذه القراءة عن ابن كثير لغة استوى فيها فعلت وأفعلت، والله أعلم. انتهى. وقال امرؤ القيس :
وجيد كجيد الريم ليس بفاحشإذا هي نصته ولا بمعطل
﴿حُشِرَتْ﴾ : أي جمعت من كل ناحية. فقال ابن عباس : جمعت بالموت، فلا تبعث ولا يحضر في القيامة غير الثقلين. وعنه وعن قتادة وجماعة : يحشر كل شيء حتى الذباب. وعنه : تحشر الوحوش حتى يقتص من بعضها لبعض، ثم يقتص للجماء من القرناء، ثم يقال لها موتي فتموت. وقيل : إذا قضى بينها ردت تراباً فلا يبقى منها إلا ما فيه سرور لبني آدم وإعجاب بصورته، كالطاووس ونحوه. وقال أبيّ : في الدنيا في أول الهول تفر في الأرض وتجتمع إلى بني آدم تآنساً بهم. وقرأ الجمهور :﴿حُشِرَتْ﴾ بخف الشين ؛ والحسن وعمرو بن ميمون : بشدها. ﴿وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ﴾ : تقدم أقوال العلماء في سجر البحر في الطور، والبحر المسجور، وفي كتاب لغات القراآت، سجرت : جمعت، بلغة خثعم. وقال هنا ابن عطية : ويحتمل أن يكون المعنى : ملكت وقيد اضطرابها حتى لا تخرج على الأرض من الهول، فتكون اللفظة مأخوذة من ساجور الكلب. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : بخف الجيم ؛ وباقي السبعة : بشدها.
قال ابن عطية : وذهب قوم إلى أن هذه الأشياء المذكورة استعارات في كل ابن آدم وأحواله عند الموت. فالشمس نفسه، والنجوم عيناه وحواسه، وهذا قول ذاهب إلى إثبات الرموز في كتاب الله تعالى. انتهى. وهذا مذهب الباطنية، ومذاهب من ينتمي إلى الإسلام من غلاة الصوفية، وقد أشرنا إليهم في خطبة هذا الكتاب ؛ وإنما هؤلاء زنادقة تستروا بالانتماء إلى ملة الإسلام. وكتاب الله جاء بلسان عربي مبين، لا رمز فيه ولا لغز ولا باطن، ولا إيماء لشيء مما تنتحله الفلاسفة ولا أهل الطبائع. ولقد ضمن تفسيره أبو عبد الله الرازي المعروف بابن خطيب الري أشياء مما قاله الحكماء عنده وأصحاب النجوم وأصحاب الهيئة، وذلك كله بمعزل عن تفسير كتاب الله عز وجل. وكذلك ما ذكره صاحب التحرير والتحبير في آخر ما يفسره من الآيات من كلام من ينتمي إلى الصوف ويسميها الحقائق، وفيها ما لا يحل كتابته،
٤٣٢
فضلاً عن أن يعتقد، نسأل الله تعالى السلامة في ديننا وعقائدنا وما به قوام ديننا ودنيانا.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٣٠
﴿وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ : أي المؤمن مع المؤمن والكافر مع الكافر، كقوله :﴿وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَـاثَةً﴾، قاله عمر وابن عباس ؛ أو نفوس المؤمنين بأزواجهم من الحور العين وغيرهن، قاله مقاتل بن سليمان ؛ أو الأزواج الأجساد، قاله عكرمة والضحاك والشعبي. وقرأ عاصم في رواية : زووجت على فوعلت، والمفاعلة تكون بين اثنين. والجمهور : بواو مشددة. وقال الزمخشري : وأد يئد، مقلوب من آد يؤد إذا أثقل. قال الله تعالى :﴿وَلا يَاُودُه حِفْظُهُمَا ﴾، لأنه إثقال بالتراب. انتهى. ولا يدعي في وأد أنه مقلوب من آد، لأن كلاً منهما كامل التصرف في الماضي والأمر والمضارع والمصدر واسم الفاعل واسم المفعول، وليس فيه شيء من مسوغات ادعاء القلب. والذي يعلم به الأصالة من القلب أن يكون أحد النظمين فيه حكم يشهد له بالأصالة والآخر ليس كذلك، أو كونه مجرداً من حروف الزيادة والآخر فيه مزيداً وكونه أكثر تصرفاً والآخر ليس كذلك، أو أكثر استعمالاً من الآخر، وهذا على ما قرروا أحكم في علم التصريف. فالأول كيثس وأيس، والثاني كطأمن واطمأن، والثالث كشوايع وشواع، والرابع كلعمري ورعملي.


الصفحة التالية
Icon