وقرأ الجمهور :﴿الْمَوْءُادَةُ﴾، بهمزة بين الواوين، اسم مفعول. وقرأ البزي في رواية : الموؤدة، بهمزة مضمومة على الواو، فاحتمل أن يكون الأصل الموؤدة كقراءة الجمهور، ثم نقل حركة الهمزة إلى الواو بعد حذف الهمزة، ثم الواو المنقول إليها الحركة. واحتمل أن يكون اسم مفعول من آد ؛ فالاصل مأوودة، فحذف إحدى الواوين على الخلاف الذي فيه المحذوف واو المد أو الواو التي هي عين، نحو : مقوول، حيث قالوا : مقول. وقرىء الموودة، بضم الواو الأولى وتسهيل الهمزة، أعني التسهيل بالحذف، ونقل حركتها إلى الواو. وقرأ الأعمش : المودة، بكسون الواو على وزن الفعلة، وكذا وقف لحمزة بن مجاهد. ونقل القراء أن حمزة يقف عليها كالموودة لأجل الخط لأنها رسمت كذلك، والرسم سنة متبعة. وقرأ الجمهور :﴿سُـاِلَتْ﴾ مبنياً للمفعول، ﴿بِأَىِّ ذَنابٍ قُتِلَتْ﴾ : كذلك وخف الياء وبتاء التأنيث فيهما، وهذا السؤال هو لتوبيخ الفاعلين للوأد، لأن سؤالها يؤول إلى سؤال الفاعلين. وجاء قتلت بناء على أن الكلام إخبار عنها، ولو حكى ما خوطبت به حين سئلت لقيل : قتلت. وقرأ الحسن والأعرج : سئلت، بكسر السين، وذلك على لغة من قال : سأل بغير همز. وقرأ أبو جعفر : بشد الياء، لأن الموؤدة اسم جنس، فناسب التكثير باعتبار الأشخاص. وقرأ ابن مسعود وعلي وابن عباس وجابر بن زيد وأبو الضحى ومجاهد : سألت مبنياً للفاعل، قتلت بسكون اللام وضم التاء، حكاية لكلامها حين سئلت. وعن أبيّ وابن مسعود أيضاً والربيع بن خيثم وابن يعمر : سألت مبنيا للفاعل. ﴿بِأَىِّ ذَنابٍ قُتِلَتْ﴾ : مبنياً للمفعول بتاء التأنيث فيهما إخباراً عنهما، ولو حكي كلامها لكان قتلت بضم التاء.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٣٠
وكان العرب إذا ولد لأحدهم بنت واستحياها، ألبسها جبة من صوف أو شعر وتركها ترعى الإبل والغنم، وإذا أراد قتلها تركها حتى إذا صارت سداسية قال لأمها : طيبيها ولينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها، وقد حفر حفرة أو بئراً في الصحراء، فيذهب بها إليها ويقول لها انظري فيها ؛ ثم يدفعها من خلفها ويهيل عليها التراب حتى يستوي بالأرض. وقيل : كانت الحامل إذا قرب وضعها حفرت حفرة فتمخضت على رأسها، فإذا ولدت بنتاً رمت بها في الحفرة، وإن ولدت ابناً حبسته. وقد افتخر الفرزدق، وهو أبو فراس همام بن غالب بن صعصعة بن ناجية، بجده صعصعة، إذ كان منع وأد البنات فقال :
ومنا الذي منع الوائداتفأحيا الوئيد ولم يوئد
٤٣٣
﴿وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ﴾ : صحف الأعمال كانت مطوية على الأعمال، فنشرت يوم القيامة ليقرأ كل إنسان كتابه. وقيل : الصحف التي تتطاير بالإيمان والشمائل بالجزاء، وهي صحف غير صحف الأعمال. وقرأ أبو رجاء وقتادة والحسن والأعرج وشيبة وأبو جعفر ونافع وابن عامر وعاصم : نشرت بخف الشين ؛ وباقي السبعة : بشدّها. وكشط السماء : طيها كطي السجل. وقيل : أزيلت كما يكشط الجلد عن الذبيحة. وقرأ عبد الله : قشطت بالقاف، وهما كثيراً ما يتعاقبان، كقولهم : عربي قح وكح، وتقدّمت قراءته قافوراً، أي كافوراً. وقرأ نافع وابن عامر وحفص :﴿سُعِّرَتْ﴾ بشد العين ؛ وباقي السبعة : بخفها، وهي قراءة عليّ. قال قتادة : سعرها غضب الله تعالى وذنوب بني آدم، وجواب إذا وما عطفت عليه ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ﴾ : ونفس تعم في الإثبات من حيث المعنى، ما أحضرت من خير تدخل به الجنة، أو من شر تدخل به النار. وقال ابن عطية : ووقع الإفراد لينبه الذهن على حقارة المرء الواحد وقلة دفاعه عن نفسه. انتهى.
وقرئت هذه السورة عند عبد الله، فلما بلغ القارىء ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ﴾، قال عبد الله :"وانقطاع ظهراه". ﴿بِالْخُنَّسِ﴾، قال الجمهور : الدراري السبعة : الشمس والقمر، وزحل، وعطارد، والمريخ، والزهرة، والمشتري. وقال : على الخمسة دون الشمس والقمر، تجري الخمسة مع الشمس والقمر، وترجع حتى تخفى مع ضوء الشمس، قاله الزمخشري. وقال ابن عطية : تخنس في جريها التي يتعهد فيها ترى العين، وهي جوار في السماء، وهي تكنس في أبراجها، أي تستتر. وقال علي أيضاً والحسن وقتادة : هي النجوم كلها لأنها تخنس وتكنس بالنهار حين تختفي. وقال الزمخشري : أي تخنس بالنهار وتكنس بالليل، أي تطلع في أماكنها كالوحش في كنسها. انتهى. وقال عبد الله والنخعي وجابر بن زيد وجماعة : المراد ﴿بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾ : بقر الوحش، لأنها تفعل هذه الأفعال في كنائسها. وقال ابن عباس وابن جبير والضحاك : هي الظباء، والخنس من صفة الأنوق لأنها يلزمها الخنس، وكذا بقر الوحش.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٣٠