﴿إِذَا السَّمَآءُ انشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الارْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * يَـا أَيُّهَا الانسَـانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَـاقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـابَه بِيَمِينِهِا * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِا مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـابَه وَرَآءَ ظَهْرِهِا * فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّه كَانَ فِى أَهْلِهِا مَسْرُورًا * إِنَّه ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ * بَلَى إِنَّ رَبَّه كَانَ بِهِا بَصِيرًا * فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَالَّيْلِ وَمَا وَسَقَ * وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ * لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ * فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِى َ عَلَيْهِمُ الْقُرْءَانُ لا يَسْجُدُونَا * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ * وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ * فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِلا﴾.
هذه السورة مكية، واتصالها بما قبلها ظاهر. قال ابن عباس : انشقت تنشق : أي تتصدع بالغمام، وقاله الفراء والزجاج. وقيل : تنشق لهول يوم القيامة، كقوله :﴿وَانشَقَّتِ السَّمَآءُ فَهِىَ يومئذ وَاهِيَةٌ﴾. وقرأ الجمهور : بسكون تاء انشقت وما بعدها وصلاً ووقفاً. وقرأ عبيد بن عقيل، عن أبي عمرو : بإشمام الكسر وقفاً بعدما لم تختلف في الوصل إسكاناً. قال صاحب اللوامح : فهذا من التغييرات التي تلحق الروي في القوافي، وفي هذا الإشمام بيان أن هذه التاء من علامة ترتيب الفعل للإناث، وليست مما تنقلب في الأسماء، فصار ذلك فارقاً بين الاسم والفعل فيمن وقف على ما في الأسماء بالتاء، وذلك لغة طيىء ؛ وقد حمل في المصاحف بعض التاءات على ذلك، انتهى. وقال ابن خالويه : إذا السماء انشقت بكسر التاء، عبيد عن أبي عمرو. وقال ابن عطية، وقرأ أبو عمرو :﴿وَانشَقَّتِ﴾، يقف على التاء كأنه يشمها شيئاً من الجر، وكذلك في أخواتها. قال أبو حاتم : سمعت أعرابياً فصيحاً في بلاد قيس يكسر هذه التاءات، وهي لغة. انتهى. وذلك أن الفواصل قد تجري مجرى القوافي. فكما أن هذه التاء تكسر في القوافي، تكسر في الفواصل ؛ ومثال كسرها في القوافي قول كثير عزة :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٤٣
وما أنا بالداعي لعزة بالردىولا شامت أن نعل عزة زلت
وكذلك باقي القصيدة. وإجراء الفواصل في الوقف مجرى القوافي مهيع معروف، كقوله تعالى :﴿الظُّنُونَا ﴾، و﴿الرَّسُولا﴾ في سورة الأحزاب. وحمل الوصف على حالة الوقف أيضاً موجود في الفواصل. ﴿وَأَذِنَتْ﴾ : أي استمعت وسمعت أمره ونهيه، وفي الحديث :"ما أذن الله بشيء إذنه لنبي يتغنى بالقرآن". وقال الشاعر :
صم إذا سمعوا خيراً ذكرت بهوإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
وقال قعنب :
إن يأذنوا ريبة طاروا بها فرحاوما هم أذنوا من صالح دفنوا
وقال الحجاف بن حكيم :
أذنت لكم لما سمعت هريركم
وأذنها : انقيادها الله تعالى حين أراد انشقاقها، فعل المطيع إذا ورد عليه أمر المطاع أنصت وانقاد، كقوله تعالى :﴿قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآاِعِينَ﴾. ﴿وَحُقَّتْ﴾، قال ابن عباس ومجاهد وابن جبير : وحق لها أن تسمع. وقال الضحاك : أطاعت وحق لها أن تطيع. وقال قتادة : وحق لها أن تفعل ذلك، وهذا الفعل مبني للمفعول، والفاعل هو الله تعالى، أي وحق الله تعالى عليها الاستماع. ويقال : فلان محقوق بكذا وحقيق بكذا، والمعنى : أنه لم يكن في جرم السماء ما يمنع من تأثير القدرة في انشقاقه وتفريق أجزائه وإعدامه. قيل : ويحتمل أن يريد : وحق لها أن تنشق لشدة الهول وخوف الله تعالى. وقال الزمخشري : وهي حقيقة بأن تنقاد ولا تمتنع، ومعناه : الإيذان بأن القادر الذات يجب أن يتأتى له كل مقدور ويحق ذلك، انتهى. وفي قوله القادر الذات دسيسة الاعتزال، وما أولع هذا الرجل بمذهب الاعتزال، يدسه متى أمكنه في كل ما يتكلم به.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٤٣
﴿وَإِذَا الارْضُ مُدَّتْ﴾، قال مجاهد : سويت. وقال الضحاك : بسطت باندكاك جبالها، ومنه الحديث :﴿يَتَخَـافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلا عَشْرًا * نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلا يَوْمًا * وَيَسْـاَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّى نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا﴾.
٤٤٥