وقال الزمخشري : والمعنى أن المنصفين من العباد، إذا نظروا في السموات والأرض النظر الصحيح، علموا أنها مصنوعة، وأنه لا بد لها من صانع، فآمنوا بالله وأقروا. فإذا نظروا في خلق أنفسهم وتنقلها من حال إلى حال وهيئة إلى هيئة، في خلق ما على ظهر الأرض من صنوف الحيوان، ازدادوا إيماناً وأيقنوا وانتفى عنهم اللبس. فإذا نظروا في سائر الحوادث التي تتجدد في كل وقت، كاختلاف الليل والنهار، ونزول الأمطار، وحياة الأرض بها بعد موتها، وتصريف الرياح جنوباً وشمالاً وقبولاً ودبوراً، عقلوا واستحكم علمهم وخلص يقينهم. وقال أبو عبد الله الرازي : ذكر في البقرة ثمانية دلائل، وهنا ستة ؛ لم يذكر الفلك والسحاب، والسبب في ذلك أن مدار الحركة للفلك والسحاب على الرياح المختلفة، فذكر الرياح ؛ وهناك جعل مقطع الثمانية واحداً، وهنا رتبها على مقاطع ثلاثة : يؤمنون، يوقنون، يعقلون. قال : وأظن سبب هذا الترتيب :﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾، فافهموا هذه الدلائل ؛ فإن لم تكونوا مؤمنين ولا موقنين، فلا أقل أن تكونوا من العاقلين، فاجتهدوا. وقال هناك :﴿إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَـاوَاتِ﴾، وهنا :﴿فِي السَّمَـاوَاتِ﴾، فدل على أن الخلق غير المخلوق، وهو الصحيح عند أصحابنا، ولا تفارق بين أن يقال : في السموات، وفي خلق السموات. انتهى، وفيه تلخيص وتقدم وتأخير.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤١
﴿تِلْكَ ءَايَـاتُ اللَّهِ﴾ : أي تلك الآيات، وهي الدلائل المذكورة ؛ ﴿نَتْلُوهَا﴾ : أي نسردها عليك ملتبسة بالحق، ونتلوها في موضع الحال، أي متلوة. قال الزمخشري : والعامل ما دل عليه تلك من معنى الإشارة ونحوه، وهذا بعلى شيخاً. انتهى، وليس نحوه، لأن في وهذا حرف تنبيه. وقيل : العامل في الحال ما دل عليه حرف التنبيه، أي تنبه. وأما تلك، فليس فيها حرف تنبيه عاملاً بما فيه من معنى التنبيه، لأن الحرف قد يعمل في الحال : تنبه لزيد في حال شيخه وفي حال قيامه. وقيل : العامل في العامل في مثل هذا التركيب فعل محذوف يدل عليه المعنى، أي انظر إليه في حال شيخه، فلا يكون اسم الإشارة عاملاً ولا حرف التنبيه، إن كان هناك. وقال ابن عطية : نتلوها، فيه حذف مضاف، أي نتلو شأنها وشرح العبرة بها. ويحتمل أن يريد بآيات الله القرآن المنزل في هذه المعاني، فلا يكون في نتلوها حذف مضاف. انتهى. ونتلوها معناه : يأمر الملك أن نتلوها. وقرىء : يتلوها، بياء الغيبة، عائداً على الله ؛ وبالحق : بالصدق، لأن صحتها معلومة بالدلائل العقلية.
﴿فَبِأَىِّ حَدِيث﴾ الآية، فيه تقريع وتوبيخ وتهديد ؛ ﴿بَعْدِ اللَّهِ﴾ : أي بعد حديث الله، وهو كتابه وكلامه، كقوله :﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَـابًا مُّتَشَـابِهًا﴾ ؛ وقال :
٤٣
فبأي حديث بعده يؤمنون} ؛ أي بعد حديث الله وكلامه. وقال الضحاك : بعد توحيد الله. وقال الزمخشري : بعد الله وآياته، أي بعد آيات الله، كقولهم : أعجبني زيد وكرمه، يريدون : أعجبني كرم زيد. انتهى. وهذا ليس بشيء، لأن فيه من حيث المعنى إقحام الأسماء من غير ضرورة ؛ والعطف والمراد غير العطف من إخراجه إلى باب البدل، لأن تقدير كرم زيد إنما يكون في : أعجبني زيد كرمه، بغير واو على البدل ؛ وهذا قلب لحقائق النحو. وإنما المعنى في : أعجبني زيد وكرمه، أن ذات زيد أعجبته، وأعجبه كرمه ؛ فهما إعجابان لا إعجاب واحد، وقد رددنا عليه مثل قوله هذا فيما تقدم. وقرأ أبو جعفر، والأعرج، وشيبة، وقتادة، والحرميان، وأبو عمرو، وعاصم في رواية : يؤمنون، بالياء من تحت ؛ والأعمش، وباقي السبعة : بتاء الخطاب ؛ وطلحة : توقنون بالتاء من فوق، والقاف من الإيقان.
؛ أي بعد حديث الله وكلامه. وقال الضحاك : بعد توحيد الله. وقال الزمخشري : بعد الله وآياته، أي بعد آيات الله، كقولهم : أعجبني زيد وكرمه، يريدون : أعجبني كرم زيد. انتهى. وهذا ليس بشيء، لأن فيه من حيث المعنى إقحام الأسماء من غير ضرورة ؛ والعطف والمراد غير العطف من إخراجه إلى باب البدل، لأن تقدير كرم زيد إنما يكون في : أعجبني زيد كرمه، بغير واو على البدل ؛ وهذا قلب لحقائق النحو. وإنما المعنى في : أعجبني زيد وكرمه، أن ذات زيد أعجبته، وأعجبه كرمه ؛ فهما إعجابان لا إعجاب واحد، وقد رددنا عليه مثل قوله هذا فيما تقدم. وقرأ أبو جعفر، والأعرج، وشيبة، وقتادة، والحرميان، وأبو عمرو، وعاصم في رواية : يؤمنون، بالياء من تحت ؛ والأعمش، وباقي السبعة : بتاء الخطاب ؛ وطلحة : توقنون بالتاء من فوق، والقاف من الإيقان.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤١