كنود لنعماء الرجال ومن يكنكنوداً لنعماء الرجال يبعد
وعن ابن عباس : الكنود، بلسان كندة وحضرموت : العاصي ؛ وبلسان ربيعة ومضر : الكفور ؛ وبلسان كنانة : البخيل السيىء الملكة، وقاله مقاتل. وقال الكلبي مثله إلا أنه قال : وبلسان بني مالك : البخيل، ولم يذكر وحضرموت، ويقال : كند النعمة كنوداً. وقال أبو زبيد في البخيل :
إن تفتني فلم أطب عنك نفساغير أني أمنى بدهر كنود
حصل الشيء : جمعه، وقيل : ميزه من غيره، ومنه قيل للمنحل : المحصل، وحصل الشيء : ظهر واستبان.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٠٢
﴿وَالْعَـادِيَـاتِ ضَبْحًا * فَالمُورِيَـاتِ قَدْحًا * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا * فَأَثَرْنَ بِهِا نَقْعًا * فَوَسَطْنَ بِهِا جَمْعًا * إِنَّ الانسَـانَ لِرَبِّهِا لَكَنُودٌ * وَإِنَّه عَلَى ذَالِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّه لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ * أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِى الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِى الصُّدُورِ * إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يومئذ لَّخَبِيرُ﴾.
هذه السورة مكية في قول ابن مسعود وجابر والحسن وعكرمة وعطاء، مدنية في قول ابن عباس وأنس وقتادة. لما ذكر فيما قبلها ما يقتضي تهديداً ووعيداً بيوم القيامة، بتعنيف لمن لا يستعد لذلك اليوم، ومن آثر أمر دنياه على أمر آخرته. والجمهور من أهل التفسير واللغة على أن العاديات هنا الخيل، تعدو في سبيل الله وتضبح حالة عدوها، وقال عنترة :
والخيل تكدح حين تضبحفي حياض الموت ضبحا
وقال أبو عبد الله وعلي وإبراهيم والسدي ومحمد بن كعب وعبيد بن عمير : العاديات : الإبل. أقسم بها حين تعدو من عرفة ومن المزدلفة إذا دفع الحاج. وبأهل غزوة بدر لم يكن فيها غير فرسين، فرس للزبير وفرس للمقداد، وبهذا حج عليّ رضي الله عنه ابن عباس حين تماريا، فرجع ابن عباس إلى قول علي رضي الله تعالى عنهما. وقالت صفية بنت عبد المطلب :
فلا والعاديات غداة جمعبأيديها إذا سطع الغبار
وانتصب ضبحاً على إضمار فعل، أي يضبحن ضبحاً ؛ أو على أنه في موضع الحال، أي ضابحات ؛ أو على المصدر على قول أبي عبيدة أن معناه العدو الشديد، فهو منصوب بالعاديات. وقال الزمخشري : أو بالعاديات
٥٠٣
كأنه قيل : والضابحات، لأن الضبح يكون مع العدو، انتهى. وإذا كان الضبح مع العدو، فلا يكون معنى ﴿وَالْعَـادِيَـاتِ﴾ معنى الضابحات، فلا ينبغي أن يفسر به. ﴿فَالمُورِيَـاتِ قَدْحًا﴾، والإيراء : إخراج النار، أي تقدح بحوافرها الحجارة فيتطاير منها النار لصك بعض الحجارة بعضاً. ويقال : قدح فأورى، وقدح فأصلد. وتسمى تلك النار التي تقدحها الحوافر من الخيل أو الإبل : نار الحباحب. قال الشاعر :
تقدّ السلوقي المضاعف نسجةوتوقد بالصفاح نار الحباحب
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٠٢
وقيل :﴿فَالمُورِيَـاتِ قَدْحًا﴾ مجاز، أو استعارة في الخيل تشعل الحرب، قاله قتادة. وقال تعالى :﴿كُلَّمَآ أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ﴾. ويقال : حمي الوطيس إذا اشتدّ الحرب. وقال ابن عباس ومجاهد وزيد بن أسلم : الموريات : الجماعة التي تمكر في الحرب، والعرب تقوله إذا أرادت المكر بالرجل : والله لا يكون ذلك، ولأورين لك. وعن ابن عباس أيضاً : التي توري نارها بالليل لحاجتها وطعامها. وعنه أيضاً : جماعة الغزاة تكثر النار إرهاباً. وقال عكرمة : ألسنة الرجال توري النار من عظيم ما تتكلم به، وتظهر من الحجج والدلائل، وإظهار الحق وإبطال الباطل. ﴿فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا﴾ : أي تغير على العدو في الصبح، ومن قال هي الإبل، قال العرب تقول : أغار إذا عدى جرياً، أي من مزدلفة إلى منى، أو في بدر ؛ وفي هذا دليل على أن هذه الأوصاف لذات واحدة، لعطفها بالفاء التي تقتضي التعقيب. والظاهر أنها الخيل التي يجاهد عليها العدو من الكفار، ولا يستدل على أنها الإبل بوقعة بدر، وإن لم يكن فيها إلا فرسان، لأنه لم يذكر أن سبب نزول هذه السورة هو وقعة بدر، ثم بعد ذلك لا يكاد يوجد أن الإبل جوهد عليها في سبيل الله، بل المعلوم أنه لا يجاهد في سبيل الله تعالى إلا على الخيل في شرق البلاد وغربها.


الصفحة التالية
Icon