سورة العصر
مكية

بسم الله الرحمن الرحيم

جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٠٨
﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الانسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾.
هذه السورة مكية في قول ابن عباس وابن الزبير والجمهور، ومدنية في قول مجاهد وقتادة ومقاتل. لما قال فيما قبلها :﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾، ووقع التهديد بتكرار ﴿كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ بين حال المؤمن والكافر.
﴿وَالْعَصْرِ﴾، قال ابن عباس : هو الدهر، يقال فيه عصر وعصر وعصر ؛ أقسم به تعالى لما في مروره من أصناف العجائب. وقال قتادة : العصر : العشي، أقسم به كما أقسم بالضحى لما فيهما من دلائل القدرة. وقيل : العصر : اليوم والليلة، ومنه قول حميد بن ثور :
ولن يلبث العصران يوم وليلةإذا طلبا أن يدركا ما تيمما
وقيل : العصر بكرة، والعصر عشية، وهما الأبردان، فعلى هذا والقول قبله يكون القسم بواحد منهما غير معين. وقال مقاتل : العصر : الصلاة الوسطى، أقسم بها. وبهذا القول بدأ الزمخشري قال : لفضلها بدليل قوله تعالى ﴿حَافِظُوا عَلَى﴾، صلاة العصر، في مصحف حفصة، وقوله صلى الله عليه وسلّم :"من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله"، لأن التنكيف في أدائها أشق لتهافت الناس في تجاراتهم وتحاسبهم آخر النهار واشتغالهم بمعايشهم، انتهى. وقرأ سلام : والعصر بكسر الصاد، والصبر بكسر الباء. قال ابن عطية : وهذا لا يجوز إلا في الوقف على نقل الحركة. وروي عن أبي عمرو : بالصبر بكسر الباء إشماماً، وهذا أيضاً لا يكون إلا في الوقف، انتهى. وفي الكامل للهزلي : والعصر، والصبر، والفجر، والوتر، بكسر ما قبل الساكن في هذه كلها هارون وابن موسى عن أبي عمرو ؛ والباقون : بالإسكان كالجماعة، انتهى. وقال ابن خالويه :﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾، بنقل الحركة عن أبي عمرو. وقال صاحب اللوامح عيسى : البصرة بالصبر، بنقل حركة الهاء إلى الياء لئلا يحتاج أن يأتي ببعض الحركة في الوقف، ولا إلى أن يسكن فيجمع بين ساكنين، وذلك لغة شائعة، وليست شاذة بل مستفيضة، وذلك دلالة على الإعراب، وانفصال عن التقاء الساكنين، ومادته حق الموقوف عليه من السكون، انتهى. وقد أنشدنا في الدلالة على هذا في شرح التسهيل عدّة أبيات، كقول الراجز :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٠٨
أنا جرير كنيتي أبو عمرأضرب بالسيف وسعد في القصر
يريد : أبو عمر. والعصر والإنسان اسم جنس يعم، ولذلك صح الاستثناء منه، والخسر : الخسران، كالكفر والكفران، وأي خسران أعظم ممن خسر الدنيا والآخرة ؟ وقرأ ابن هرمز وزيد بن عليّ وهارون عن أبي بكر عن عاصم : خسر بضم السين، والجمهور بالسكون. ومن باع آخرته بدنياه فهو في غاية الخسران، بخلاف المؤمن، فإنه اشترى الآخرة بالدنيا، فربح وسعد. ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾ : أي بالأمر الثابت من الذين عملوا به وتواصوا به، ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ في طاعة الله تعالى، وعن المعاصي.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٠٨
سورة الهمزة
مكية

بسم الله الرحمن الرحيم

جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٠٨
٥٠٩
الحطمة : أصله الوصف من قولهم رجل حطمة : أي أكول. قال الراجز :
قد لفها الليل بسوّاق الحطم
وقال آخر :
إنا حطمناه بالقضيب مصعبايوم كسرنا أنفه ليغضبا
﴿وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ * الَّذِى جَمَعَ مَالا وَعَدَّدَه * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُا أَخْلَدَه * كَلا لَيُنابَذَنَّ فِى الْحُطَمَةِ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِى تَطَّلِعُ عَلَى الافْاِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ * فِى عَمَدٍ مُّمَدَّدَة﴾.
هذه السورة مكية. لما قال فيما قبلها :﴿إِنَّ الانسَانَ لَفِى خُسْرٍ﴾، بين حال الخاسر فقال :﴿وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ﴾، ونزلت في الأخنس بن شريق، أو العاصي بن وائل، أو جميل بن معمر، أو الوليد بن المغيرة، أو أمية بن خلف، أقوال. ويمكن أن تكون نزلت في الجميع، وهي مع ذلك عامة فيمن اتصف بهذه الأوصاف. وقال السهيلي : هو أمية بن خلف الجمحي، كان يهمز النبي صلى الله عليه وسلّم، ويعينه ذكره ابن إسحاق. وإنما ذكرته، وإن كان اللفظ عاماً، لأن الله سبحانه وتعالى تابع في أوصافه والخبر عنه حتى فهم أنه يشير إلى شخص بعينه، وكذلك قوله في سورة ن :﴿وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَّهِينٍ﴾. تابع في الصفات حتى علم أنه يريد إنساناً بعينه. وتقدم الكلام في الهمزة في سورة ن، وفي اللمز في سورة براءة، وفعله من أبنية المبالغة، كنومة وعيبة وسحرة وضحكة، وقال زياد الأعجم :
تدلى بودّي إذا لاقيتني كذباوإن أغيب فأنت الهامز اللمزه
وقرأ الجمهور : بفتح الميم فيهما ؛ والباقون : بسكونها، وهو المسخرة الذي يأتي بالأضاحيك منه، ويشتم ويهمز ويلمز. ﴿الَّذِى﴾ : بدل، أو نصب على الذم. وقرأ الحسن وأبو جعفر وابن عامر والأخوان : جمع مشدد الميم ؛ وباقي السبعة : بالتخفيف، والجمهور :﴿وَعَدَّدَهُ﴾ بشد الدال الأولى : أي أحصاه وحافظ عليه. وقيل : جعله عدة لطوارق الدهر ؛ والحسن والكلبي : بتخفيفهما، أي جمع المال وضبط عدده. وقيل : وعدداً من عشيرته. وقيل : وعدده على ترك الإدغام، كقوله :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٠٩
إني أجود لأقوام وإن ضننوا


الصفحة التالية
Icon