وفي الحديث :"ولد الرجل من كسبه". وعن الضحاك :﴿وَمَا كَسَبَ﴾ هو عمله الخبيث في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلّم. وعن قتادة : وعمله الذي ظن أنه منه على شيء. وروي عنه أنه كان يقول : إن كان ما يقول ابن أخي حقاً، فأنا أفتدي منه نفسي بمالي وولدي. وقرأ عبد الله : وما اكتسب بتاء الافتعال. وقرأ أبو حيوة وابن مقسم وعباس في اختياره، وهو أيضاً سيصلى بضم الياء وفتح الصاد وشد اللام، ومريئته ؛ وعنه أيضاً : ومريته على التصغير فيهما بالهمز وبإبدالها ياء وإدغام ياء التصغير فيها.
٥٢٥
وقرأ أيضاً : حمالة للحطب، بالتنوين في حمالة، وبلام الجر في الحطب. وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق : سيصلى بضم الياء وسكون الصاد ؛ وأبو قلابة : حاملة الحطب على وزن فاعلة مضافاً، واختلس حركة الهاء في وامرأته أبو عمرو في رواية ؛ والحسن وزيد بن علي والأعرج وأبو حيوة وابن أبي عبلة وابن محيصن وعاصم : حمالة بالنصب.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٢٤
وقرأ الجمهور :﴿سَيَصْلَى ﴾ بفتح الياء وسكون الصاد، ﴿وَامْرَأَتُهُ﴾ على التكبير، ﴿حَمَّالَةَ﴾ على وزن فعالة للمبالغة مضافاً إلى الحطب مرفوعاً، والسين للاستقبال وإن تراخى الزمان، وهو وعيد كائن إنجازه لا محالة. وارتفع ﴿وَامْرَأَتُهُ﴾ عطفاً على الضمير المستكن في ﴿سَيَصْلَى ﴾، وحسنه وجود الفصل بالمفعول وصفته، في قراءة الجمهور خبر مبتدأ محذوف، أو صفة لامرأته، لأنه مثال ماض فيعرف بالإضافة، وفعال أحد الأمثلة الستة وحكمها كاسم الفاعل. وفي قراءة النصب، انتصب على الذم. وأجازوا في قراءة الرفع أن يكون ﴿لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ﴾ مبتدأ، وحمالة، واسمها أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان، وكانت عوراء. والظاهر أنها كانت تحمل الحطب، أي ما فيه شوك، لتؤذي بإلقائه في طريق الرسول صلى الله عليه وسلّم وأصحابه لتعقرهم، فذمت بذلك وسميت حمالة الحطب، قاله ابن عباس. فحمالة معرفة، فإن كان صار لقباً لها جاز فيه حالة الرفع أن يكون عطف بيان، وأن يكون بدلاً. قيل : وكانت تحمل حزمة من الشوك والحسك والسعدان فتنشرها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وقال ابن عباس أيضاً ومجاهد وقتادة والسدي : كانت تمشي بالنميمة، ويقال للمشاء بها : يحمل الحطب بين الناس، أي يوقد بينهم النائرة ويورث الشر. قال الشاعر :
من البيض لم يصطد على ظهر لامهولم تمش بين الحي بالحطب الرطب
جعله رطباً ليدل على التدخين الذي هو زيادة في الشر. وقال الراجز :
إن بني الأرزم حمالو الحطبهم الوشاة في الرضا وفي الغضب
وقال ابن جبير : حمالة الخطايا والذنوب، من قولهم : يحطب على ظهره. قال تعالى :﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ﴾. وقيل : الحطب جمع حاطب، كحارس وحرس، أي يحمل الجناة على الجنايات، والظاهر أن الحبل من مسد. وقال عروة بن الزبير ومجاهد وسفيان : استعارة، والمراد سلسلة من حديد في جهنم. وقال قتادة : قلادة من ودع. وقال ابن المسيب : قلادة فاخرة من جوهر، فقالت : واللات والعزى لأنفقنها على عداوة محمد. قال ابن عطية : وإنما عبر عن قلادتها بحبل من مسد على جهة التفاؤل لها، وذكر تبرجها في هذا السعي الخبيث، انتهى. وقال الحسن : إنما كانت خرزاً. وقال الزمخشري : والمعنى في جيدها حبل مما مسد من الحبال، وأنها تحمل الحزمة من الشوك وتربطها في جيدها، كما يفعل الحطابون تحسيساً لحالها وتحقيراً لها بصورة بعض الحطابات من المواهن لتمتعض من ذلك ويمتعض بعلها وهما في بيت العز والشرف وفي منصب الثروة والجدة. ولقد عير بعض الناس الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب بحمالة الحطب، فقال :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٢٤
ماذا أردت إلى شتمي ومنقصتيأم ما تعير من حمالة الحطب
غرساء شاذخة في المجد ساميةكانت سليلة شيخ ثاقب الحسب
ويحتمل أن يكون المعنى : إن حالها يكون في نار جهنم على الصورة التي كانت عليها حين كانت تحمل حزمة الشوك، فلا يزال على ظهرها حزمة من حطب النار من شجر الزقوم أو الضريع، وفي جيدها حبل مما مسد من سلاسل النار، كما يعذب كل مجرم بما يجانس حاله في جرمه، انتهى.
ولما سمعت أم جميل هذه السورة أتت أبا بكر، وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم في المسجد وبيدها فهر، فقالت :
٥٢٦
بلغني أن صاحبك هجاني، ولأفعلنّ وأفعلن ؛ وأعمى الله تعالى بصرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم. فروي أن أبا بكر، رضي الله تعالى عنه، قال لها : هل تري معي أحداً ؟ فقالت : أتهزأ بي ؟ لا أرى غيرك. وإن كان شاعراً فأنا مثله أقول :
مذمماً أبيناودينه قلينا
وأمره عصينا
فسكت أبو بكر ومضت هي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :"لقد حجبتني عنها ملائكة فما رأتني وكفى الله شرها". وذكر أنها ماتت مخنوقة بحبلها، وأبو لهب رماه الله تعالى بالعدسة بعد وقعة بدر بسبع ليال.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٢٤


الصفحة التالية
Icon