﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ في الكلام حذف تكون حتى غاية له، تقديره : فعاش بعد ذلك، أو استمرت حياته ؛ وتقدم الكلام في ﴿بَلَغَ أَشُدَّهُا﴾ في سورة يوسف. والظاهر ضعف قول من قال : بلوغ الأشد أربعون، لعطف ﴿وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾. والعطف يقتضي التغاير، إلا إن ادعى أن ذلك توكيد لبلوغ الأشد فيمكن ؛ والتأسيس أولى من التأكيد ؛ وبلوغ الأربعين اكتمال العقل لظهور الفلاح. قيل : ولم يبعث نبي إلا بعد الأربعين. وفي الحديث : أن الشيطان يجر يده على وجه من زاد على الأربعين ولم يتب ويقول : يأتي وجه لا يفلح. ﴿قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَى وَالِدَىَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَا هُ﴾ : وتقدم الكلام على هذا في سورة النمل. ﴿وَأَصْلِحْ لِى فِى ذُرِّيَّتِى ﴾ : سأل أن يجعل ذريته موقعاً للصلاح ومظنة له، كأنه قال : هب لي الصلاح في ذريتي، فأوقعه فيهم، أو ضمن : وأصلح لي معنى : وألطف بي في ذريتي، لأن أصلح يقتدي بنفسه لقوله :﴿وَأَصْلَحْنَا لَهُ﴾، فلذلك احتج قوله :﴿لِى فِى ذُرِّيَّتِى ﴾ إلى التأويل. قيل : نزلت في أبي بكر رضي الله عنه، وتتناول من بعده، وهو مشكل، لأنها نزلت بمكة، وأبوه أسلم عام الفتح. ولقوله :﴿أُوالَا ِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا ﴾ : فلم يقصد بذلك أبو بكر ولا غيره. والمراد بالإنسان الجنس، ولذلك أشار يقوله :﴿أُوالَا ِكَ﴾ جمعاً. وقرأ الجمهور : يتقبل مبنياً للمفعول، أحسن رفعاً، وكذا ويتجاوز ؛ وزيد بن علي، وابن وثاب، وطلحة، وأبو جعفر، والأعمش : بخلاف عنه. وحمزة، والكسائي، وحفص : نتقبل أحسن نصباً، ونتجاوز بالنون فيهما ؛ والحسن، والأعمش، وعيسى : بالياء فيهما مفتوحة ونصب أحسن.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٢
﴿فِى أَصْحَابِ الْجَنَّةِ﴾، قيل : في بمعنى مع ؛ وقيل : هو نحو قولك : أكرمني الأمير في ناس من أصحابه، يريد في جملة من أكرم منهم، ومحله النصب على الحال على معنى كائنين في أصحاب الجنة. وانتصب ﴿وَعْدَ الصِّدْقِ﴾ على أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة، لأن قوله :﴿أُوالَا ِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ﴾، وعد منه تعالى بالتقبل والتجاوز، لما ذكر الإنسان البار بوالديه وما آل إليه من الخير، ذكر العاق بوالديه وما آل إليه من الشر. والمراد بالذي : الجنس، ولذلك جاء الخبر مجموعاً في قوله :﴿أُوالَا ِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ﴾. وقال الحسن : هو الكافر العاق بوالديه المنكر البعث. وقول مروان بن الحكم، واتبعه قتادة : أنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، قول خطأ ناشىء عن جور، حين دعا مروان، وهو أمير المدينة، إلى مبايعة يزيد، فقال عبد الرحمن : جعلتموها هرقلية ؟ كلما مات هرقل ولى ابنه، وكلما مات قيصر ولى ابنه ؟ فقال مروان : خذوه، فدخل بيت أخته عائشة رضي الله عنها، وقد أنكرت ذلك عائشة فقالت، وهي المصدوقة : لم ينزل في آل أبي بكر من القرآن غير براءتي ؛ وقالت : والله ما هو به، ولو شئت أن أسميه لسميته. وصدت مروان وقالت : ولكن الله لعن أباك وأنت في صلبه، فأنت فضض من لعنة الله. ويدل على فساد هذا القول أنه قال تعالى :﴿أُوالَا ِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ﴾، وهذه صفات الكفار أهل النار، وكان عبد الرحمن من أفاضل الصحابة وسراتهم وأبطالهم، وممن له في الإسلام غناء يوم اليمامة وغيره.
﴿أُفٍّ لَّكُمَآ﴾ : تقدم الكلام على أف مدلولاً ولغات وقراءة في سورة الإسراء، واللام في لكما للبيان، أي لكما، أعني : التأفيف. وقرأ الجمهور :﴿أَتَعِدَانِنِى ﴾، بنونين،
٦١
الأولى مكسورة ؛ والحسن، وعاصم، وأبو عمرو، وفي رواية ؛ وهشام : بإدغام نون الرفع في نون الوقاية. وقرأ نافع في رواية، وجماعة : بنون واحدة. وقرأ الحسن، . وشيبة، وأبو جعفر : بخلاف عنه ؛ وعبد الوارث، عن أبي عمرو، وهارون بن موسى، عن الجحدري، وسام، عن هشام : بفتح النون الأولى، كأنهم فروا من الكسرتين، والياء إلى الفتح طلباً للتخفيف ففتحوا، كما فر من أدغم ومن حذف. وقال أبو حاتم : فتح النون باطل غلط. ﴿أَنْ أَخْرِجْ﴾ : أي أخرج من قبري للبعث والحساب. وقرأ الجمهور : أن أخرج، مبنياً للمفعول ؛ والحسن، وابن يعمر، والأعمش، وابن مصرف، والضحاك : مبنياً للفاعل.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٢


الصفحة التالية
Icon