يا من رأى عارضاً قد بث أرمقهكأنها البرق في حافاتها الشعل
﴿مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ﴾ : هو جمع واد، وأفعلة في جمع فاعل. الاسم شاذ نحو : ناد وأندية، وجائز وأجوزة. والجائز : الخشبة الممتدة في أعلى السقف، وإضافة مستقبل وممطر إضافة لا تعرف، فلذلك نعت بهما النكرة. ﴿بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم﴾ : أي قال لهم هو ذلك، أي بل هو العذاب الذي استعجلتم به، أضرب عن قولهم :﴿عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا ﴾، وأخبر بأن العذاب فاجأهم، ثم قال :﴿رِيحٌ﴾ : أي هي ريح بدل من هو. وقرأ : ما استعجلتم، بضم التاء وكسر الجيم، وتقدمت قصص في الريح، فأغنى عن ذكرها هنا. ﴿تُدَمِّرُ﴾ : أي تهلك، والدمار : الهلاك، وتقدم ذكره. وقرأ زيد بن عليّ : تدمر، بفتح التاء وسكون الدال وضم الميم. وقرىء كذلك إلا أنه بالياء ورفع كل، أي يهلك كل شيء، وكل شيء عام مخصوص، أي من نفوسهم وأموالهم، أو من أمرت بتدميره.
٦٤
وإضافة الرب إلى الريح دلالة على أنها وتصريفها مما يشهد بباهر قدرته تعالى، لأنها من أعاجيب خلقه وأكابر جنوده. وذكر الأمر لكونها مأمورة من جهته تعالى. وقرأ الجمهور : لا ترى بتاء الخطاب، إلا مساكنهم، بالنصب ؛ وعبد الله، ومجاهد، وزيد بن علي، وقتادة، وأبو حيوة، وطلحة، وعيسى، والحسن، وعمرو بن ميمون : بخلاف عنهما ؛ وعاصم، وحمزة : لا يرى بالياء من تحت مضمومة إلا مساكنهم بالرفع. وأبو رجاء، ومالك بن دينار : بخلاف عنهما. والجحدري، والأعمش، وابن أبي إسحاق، والسلمي : بالتاء من فوق مضمومة مساكنهم بالرفع، وهذا لا يجيزه أصحابنا إلا في الشعر، وبعضهم يجيزه في الكلام. وقال ذو الرمة :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٢
كأنه جمل همّ وما بقيتإلا النخيرة والألواح والعصب
وقال آخر :
فما بقيت إلا الضلوع الجراشع
وقرأ عيسى الهمداني : لا يرى بضم الياء إلا مسكنهم بالتوحيد. وروي هذا عن الأعمش، ونصر بن عاصم. وقرىء : لا ترى، بتاء مفتوحة للخطاب، إلا مسكنهم بالتوحيد مفرداً منصوباً، واجتزىء بالمفرد عن الجمع تصغيراً لشأنهم، وأنهم لما هلكوا في وقت واحد، فكأنهم كانوا في مسكن واحد. ولما أخبر بهلاك قوم عاد، خاطب قريشاً على سبيل الموعظة فقال :﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّـاهُمْ﴾، وإن نافية، أي في الذي ما مكناهم فيه من القوة والغنى والبسط في الأجسام والأموال ؛ ولم يكن النفي بلفظ ما، كراهة لتكرير اللفظ، وإن اختلف المعنى. وقيل : إن شرطية محذوفة الجواب، والتقدير : إن مكناكما فيه طغيتم. وقيل : إن زائدة بعدما الموصولة تشبيهاً بما النافية وما التوقيتية، فهي في الآية كهي في قوله : يرجى المرء ما إن لا يراهوتعرض دون أدناه الخطوب
أي مكناهم في مثل الذي مكناكم، فيه، وكونها نافية هو الوجه، لأن القرآن يدل عليه في مواضع كقوله :﴿كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَءَاثَارًا﴾، وقوله :﴿هُمْ أَحْسَنُ أَثَـاثًا﴾، وهو أبلغ في التوبيخ وأدخل في الحث في الاعتبار. ثم عدد نعمه عليهم، وأنها لم تغن عنهم شيئاً، حيث لم يستعملوا السمع والأبصار والأفئدة فيما يجب أن يستعمل. وقيل : ما استفهام بمعنى التقرير، وهو بعيد كقوله :﴿تَذَرُ مِن شَىْءٍ﴾، إذ يصير التقدير : أي شيء مما ذكر أغنى عنهم من شيء، فتكون من زيدت في الموجب، وهو لا يجوز على الصحيح، والعامل في إذ أغنى. ويظهر فيها معنى التعليل لو قلت : أكرمت زيداً لإحسانه إليّ، أو إذ أحسن إليّ. استويا في الوقت، وفهم من إذ ما فهم من لام التعليل، وإن إكرامك إياه في وقت إحسانه إليك، إنما كان لوجود إحسانه لك فيه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٢
﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم مِّنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الايَـاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا ءَالِهَةَا بَلْ ضَلُّوا عَنْهُم وَذَالِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا ا فَلَمَّا قُضِىَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ * قَالُوا ﴾.
٦٥


الصفحة التالية
Icon