﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ﴾ : أي دينه، ﴿يَنصُرْكُمْ﴾ : أي على أعدائكم، بخلق القوة فيكم، وغير ذلك من المعارف. ﴿وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ : أي في مواطن الحرب، أو على محجة الإسلام. وقرأ الجمهور :﴿وَيُثَبِّتْ﴾ : مشدداً، والمفضل عن عاصم : مخففاً. ﴿فَتَعْسًا لَّهُمْ﴾ : قال ابن عباس : بعد الهم ؛ وابن جريج، والسدي : حزناً لهم ؛ والحسن : شتماً ؛ وابن زيد : شقاء ؛ والضحاك : رغماً ؛ وحكى النقاش : قبحاً. ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ : مبتدأ، والفاء داخلة في خبر المبتدأ وتقديره : فتعسهم الله تعساً. فتعساً : منصوب بفعل مضمر، ولذلك عطف عليه الفعل في قوله :﴿وَأَضَلَّ أَعْمَـالَهُمْ﴾. ويجوز أن يكون الذين منصوباً على إضمار فعل يفسره قوله :﴿فَتَعْسًا لَّهُمْ﴾، كما تقول : زيداً جدعاً له. وقال الزمخشري : فإن قلت : على م عطف قوله : وأضل أعمالهم ؟ قلت : على الفعل الذي نصب تعساً، لأن المعنى : فقال تعساً لهم، أو فقضى تعساً لهم ؛ وتعساً لهم نقيض لعى له. انتهى. وإضمار ما هو من لفظ المصدر أولى، لأن فيه دلالة على ما حذف. وقال ابن عباس : يريد في الدنيا القتل، وفي الآخرة التردي في النار. انتهى. وفي قوله :﴿فَتَعْسًا لَّهُمْ﴾ : أي هلاكاً بأداة تقوية لقلوب المؤمنين، إذ جعل لهم التثبيت، وللكفار الهلاك والعثرة.
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَآ أَنزَلَ اللَّهُ﴾ : يشمل ما أنزل من القرآن في بيان التوحيد، وذكر البعث والفرائض والحدود، وغير ذلك مما تضمنه القرآن. ﴿فَأَحْبَطَ أَعْمَـالَهُمْ﴾ : أي جعلها من الأعمال التي لا تزكوا ولا يعتد بها. ﴿دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ : أي أفسد عليهم ما اختصوا به من أنفسهم وأولادهم وأموالهم، وكل ما كان لهم وللكافرين أمثالها. تلك العاقبة والتدميرة التي يدل عليها دمّر والهلكة، لأن التدمير يدل عليها، أو السنة، لقوله عز وجل :﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِى الَّذِينَ خَلَوْا ﴾. والوجه الأول هو الراجح، لأن العاقبة منطوق بها، فعاد الضمير على الملفوظ به، وما بعده مقول القول. ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ﴾ : ابتداء وخبر، والإشارة بذلك إلى النصر في اختيار جماعة، وإلى الهلاك، كما قال :﴿وَلِلْكَـافِرِينَ أَمْثَـالُهَا﴾، قال ذلك الهلاك الذي جعل للكفار بأيدي المؤمنين بسبب ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ : أي ناصرهم ومؤيدهم، وأن الكافرين لا ناصر لهم، إذ اتخذوا آلهة لا تنفع ولا تضر، وتركوا عبادة من ينفع ويضر، وهو الله تعالى.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٩
قال قتادة : نزلت هذه الآية يوم أُحُد، ومنها انتزع رسول الله صلى الله عليه وسلّم رده على أبي سفيان حين قال :"قولوا الله مولانا ولا مولى لكم"، حين قال المشركون : إن لنا عزى، ولا عزى لكم.
﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ جَنَّـاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَـارُا وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الانْعَـامُ﴾.
٧٦
﴿يَتَمَتَّعُونَ﴾ : أي ينتفعون بمتاع الدنيا أياماً قلائل، ﴿وَيَأْكُلُونَ﴾، غافلين غير مفكرين في العاقبة، ﴿كَمَا تَأْكُلُ الانْعَـامُ﴾ في مسارحها ومعالفها، غافلة عما هي بصدده من النحر والذبح. والكاف في موضع نصب، إما على الحال من ضمير المصدر، كما يقول سيبويه، أي يأكلونه، أي الأكل مشبهاً أكل الأنعام. والمعنى : أن أكلهم مجرد من الفكر والنظر، كما يقال للجاهل : يعيش كما يعيش البهيمة، لا يريد التشبيه في مطلق العيش، ولكن في لازمه. ﴿وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ﴾ : أي موضع إقامة. ثم ضرب تعالى مثلاً لمكة والقرى المهلكة على عظمها، كقرية عاد وغيرهم، والمراد أهلها، وأسند الإخراج إليها مجازاً. والمعنى : كانوا سبب خروجك، وذلك وقت هجرته عليه السلام إلى المدينة. وكما جاء في حديث ورقة بن نوفل : يا ليتني فيها جذعاً إذ يخرجك قومك، قال : أو مخرجي هم. وقال ابن عطية : ونسب الإخراج إلى القرية حملاً على اللفظ، وقال :﴿أَهْلَكْنَـاهُمْ﴾، حملاً على المعنى. انتهى. وظاهر هذا الكلام لا يصح، لأن الضمير في أهلكناهم
٧٧
ليس عائداً على المضاف إلى القرية التي أسند إليها الإخراج، بل إلى أهل القرية في قوله :﴿وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ﴾، وهو صحيح، لكن ظاهر قوله حملاً على اللفظ وحملاً على المعنى : أي أن يكون في مدلول واحد، وكان يبقى كأين مفلتاً غير محدث عنه بشيء، إلا أن وقت إهلاكهم كأنه قال : فهم لا ينصرون إذ ذاك. وقال ابن عباس : لما أخرج من مكة إلى الغار، التفت إلى مكة وقال : أنت أحب بلاد الله إلى الله، وأنت أحب بلاد الله إليّ، فلو أن المشركين لم يخرجوني، لم أخرج منك، فأعدي الأعداء من عدا على الله في حرمه، أو قتل غير قاتله. وقيل : بدخول الجاهلية قال : فأنزل الله تعالى، ﴿وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ﴾ الآية ؛ وقد تقدّم أول السورة عن ابن عباس خلاف هذا القول.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٩


الصفحة التالية
Icon