وقرأ ابن كثير وأهل مكة : آسن، على وزن فاعل، من أسن، بفتح السين ؛ وقرىء : غير ياسن بالياء. قال أبو علي : وذلك على تخفيف الهمز. ﴿لَّمْ يَتَغَيَّرْ﴾، وغيره. و﴿لَّذَّةٍ﴾ : تأنيث لذ، وهو اللذيذ، ومصدر نعت به، فالجمهور بالجر على أنه صفة لخمر، وقرىء بالرفع صفة لأنهار، وبالنصب : أي لأجل لذة، فهو مفعول له. ﴿مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ﴾ قال ابن عباس : لم يخرج من بطون النحل. قيل : فيخالطه الشمع وغيره، ووصفه بمصفى لأن الغالب على العسل التذكير، وهو مما يذكر ويؤنث. وعن كعب : أن النيل ودجلة والفرات وجيحان، تكون هذه الأنهار في الجنة. واختلف في تعيين كل، فهو منها لماذا يكون ينزل، وبدىء من هذه الأنهار بالماء، وهو الذي لا يستغنى عنه في المشروبات، ثم باللبن، إذ كان يجري مجرى الطعوم في كثير من أقوات العرب وغيرهم، ثم بالخمر، لأنه إذا حصل الري والمطعوم تشوقت النفس إلى ما تلتذ به، ثم بالعسل، لأن فيه الشفاء في الدنيا مما يعرض من المشروب والمطعوم، فهو متأخر في الهيئة.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٩
﴿وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾، وقيل : المبتدأ محذوف، أي أنواع من كل الثمرات، وقدره بعضهم بقوله : زوجان. ﴿وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ﴾ : لأن المغفرة قبل دخول الجنة، أو على حذف، أي بنعيم مغفرة، إذ المغفرة سبب التنعيم. ﴿وَسُقُوا ﴾ : عائد على معنى من، وهو خالد على اللفظ ؛ وكذا :﴿أَخْرِجُوا ﴾ : على معنى من يستمع. كان المنافقون يحضرون عند الرسول ويستمعون كلامه وتلاوته، فإذا خرجوا، ﴿قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾، وهم السامعون كلام الرسول حقيقة الواعون له :﴿مَاذَا قَالَ ءَانِفًا ﴾ ؟ أي الساعة، وذلك على سبيل الهزء والاستخفاف، أي لم نفهم ما يقول، ولم ندر ما نفع ذلك. وممن سألوه : ابن مسعود. وآنفاً : حال ؛ أي مبتدأ، أي : ما القول الذي ائتنفه قبل انفصاله عنه ؟ وقرأ الجمهور : آنفاً، على وزن فاعل ؛ وابن كثير : على وزن فعل. وقال الزمخشري : وآنفاً نصب على الظرف. انتهى. وقال ذلك لأنه فسره بالساعة. وقال ابن عطية، والمفسرون يقولون : آنفاً، معناه : الساعة الماضية القريبة منا، وهذا تفسير بالمعنى. انتهى. والصحيح أنه ليس بظرف، ولا نعلم أحداً من النحاة عده في الظروف. والضمير في ﴿زَادَهُمْ﴾ عائد على الله، كما أظهره قوله :﴿طَبَعَ اللَّهُ﴾، إذ هو مقابلهم، وكما هو في :﴿وَأَتَـاهُمُ﴾ ؛ والزيادة في هذا المعنى تكون بزيادة التفهيم والأدلة، أو بورود الشرع بالأمر والنهي والإخبار، فيزيد المهدي لزيادة علم ذلك والإيمان به. قيل : ويحتمل أن يعود على قول المنافقين واضطرابهم، لأن ذلك مما يعجب به المؤمن ويحمد الله على إيمانه ويزيد نصرة في دينه. وقيل : يعود على قول الرسول ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا ﴾ : أي أعطاهم، أي جعلهم متقين له ؛ فتقواهم مصدر مضاف للفاعل.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٩
﴿أَن تَأْتِيَهُم﴾ : بدل اشتمال من الساعة، والضمير للمنافقين ؛ أي الأمر الواقع في نفسه انتظار الساعة، وإن كانوا هم في أنفسهم ينتظرون غير ذلك ؛ لأن ما في أنفسهم غير مراعى، لأنه باطل. وقرأ أبو جعفر الرواسي عن أهل مكة :﴿أَوَلَمْ تَأْتِهِم﴾ على الشرط، وجوابه :﴿فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا ﴾، وهذا غير مشكوك فيه، لأنها آتية لا محالة. لكن خوطبوا بما كانوا عليه من الشك، ومعناه : إن شككتم في إثباتها فقد جاء أعلامها ؛ فالشك راجع إلى المخاطبين الشاكين. وقال
٧٩
الزمخشري : فإن قلت : فما جزاء الشرط ؟ قلت : قولهم :﴿فَأَنَّى لَهُمْ﴾، ومعناه : أن تأتيهم الساعة، فكيف لهم ذكراهم، أي تذكرهم واتعاظهم ؟ إذا جاءتهم الساعة يعني لا تنفعهم الذكرى حينئذ لقوله :﴿يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الانسَـانُ﴾. فإن قلت : بم يتصل قوله، وقد جاء أشراطها على القراءتين ؟ قلت : بإتيان الساعة اتصال العلة بالمعلول كقولك : إن أكرمني زيد فأنا حقيق بالإكرام أكرمه. وقرأ الجعفي، وهرون، عن أبي عمرو :﴿بَغْتَةً﴾، بفتح الغين وشد التاء. قال صاحب اللوامح : وهي صفة، وانتصابها على الحال لا نظير لها في المصادر ولا في الصفات، بل في الأسماء نحو : الحرية، وهو اسم جماعة، والسرية اسم مكان. انتهى. وكذا قال أبو العباس بن الحاج، من أصحاب الأستاذ أبي علي الشلوبين، في (كتاب المصادر) على أبي عمرو : أن يكون الصواب بغتة، بفتح الغين من غير تشديد، كقراءة الحسن فيما تقدم. انتهى. وهذا على عادته في تغليظ الرواية.