﴿فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا ﴾ : أي علاماتها، فينبغي الاستعداد لها. ومن أشراط الساعة مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم، إذ هو خاتم الأنبياء. وروي عنه أنه قال :"أنا من أشراط الساعة". وقال :"بعثت أنا والساعة كهاتين وكفرسي رهان". وقيل : منها الدخان وانشقاق القمر. وعن الكلبي : كثرة المال، والتجارة، وشهادة الزور، وقطع الأرحام، وقلة الكرام، وكثرة اللئام. ﴿فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ : الظاهر أن المعنى : فكيف لهم الذكرى والعمل بها إذا جاءتهم الساعة ؟ أي قد فاتها ذلك. قيل : ويحتمل أن يكون المبتدأ محذوفاً، أي : فأنى لهم الخلاص إذا جاءتهم الذكرى بما كانوا يخبرون به فيكذبون به بتواصله بالعذاب ؟ ثم أضرب عن ذكر المنافقين وقال :﴿فَاعْلَمْ أَنَّه لا إله إِلا اللَّهُ﴾، والمعنى : دم على عملك بتوحيد. واحتج بهذا على قول من قال : أول الواجبات العلم والنظر قبل القول والإقرار. وفي الآية ما يدل على التواضع وهضم النفس، إذ أمره بالاستغفار، ومع غيره بالاستغفار لهم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٩
﴿مُتَقَلَّبَكُمْ﴾ : متصرفكم في حياتكم الدنيا. ﴿وَمَثْوَاكُمْ﴾ : إقامتكم في قبوركم وفي آخرتكم. وقال عكرمة : متقلبكم في أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات، ومثواكم : إقامتكم في الأرض. وقال الطبري وغيره : متقلبكم : تصرفكم في يقظتكم، ومثواكم : منامكم. وقيل : متقلبكم في معائشكم ومتاجركم، ومثواكم حيث تستفزون من منازلكم. وقيل : متقلبكم بالتاء، وابن عباس بالنون.
﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ ءَامَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌا فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُا رَأَيْتَ الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ﴾.
٨٠
كان المؤمنون حريصين على ظهور الإسلام وعلو كلمته وتمني قتل العدو، وكانوا يستأنسون بالوحي، ويستوحشون إذا أبطأ. والله تعالى قد جعل ذلك باباً ومضروبة لا يتعدى. فمدح تعالى المؤمنين بطلبهم إنزال سورة، والمعنى تتضمن أمرنا بمجاهدة العدو، وفضح أمر المنافقين. والظاهر أن ظاني ذلك هم خلص في إيمانهم، ولذلك قال بعد ﴿رَأَيْتَ الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾. وقال الزمخشري : كانوا يدعون الحرص على الجهاد، ويتمنونه بألسنتهم، ويقولون :﴿لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ﴾ في معنى الجهاد. ﴿فَإِذَآ أُنزِلَتْ﴾، وأمروا فيها بما تمنوا وحرصوا عليه، كاعوا وشق عليهم وسقطوا في أيديهم، كقوله :﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ﴾. انتهى ؛ وفيه تخويف لما يدل عليه لفظ القرآن و﴿لَوْلا﴾ : بمعنى هلا ؛ وعن أبي مالك : لا زائدة، والتقدير : لو نزلت، وهذا ليس بشيء. وقرىء : فإذا نزلت. وقرأ زيد بن علي : سورة محكمة، بنصبهما، ومرفوع نزلت بضم، وسورة نصب على الحال. وقرأ هو وابن عمر :﴿وَذُكِرَ﴾ مبنياً للفاعل، أي الله. ﴿فِيهَا الْقِتَالُ﴾ ونصب. الجمهور : برفع سورة محكمة على أنه مفعول لم يسم فاعله، وبناء وذكر للمفعول، والقتال رفع به، وإحكامها كونها لا تنسخ. قال قتادة : كل سورة فيها القتال، فهي محكمة من القرآن، لا بخصوصية هذه الآية، وذلك أن القتال نسخ ما كان من المهادنة والصلح، وهو غير منسوخ إلى يوم القيامة. وقيل : محكمة بالحلال والحرام. وقيل : محكمة أريدت مدلولات ألفاظها على الحقيقة دون المتشابه الذي أريد به المجاز، نحو قوله :﴿عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾، ﴿فِى جَنابِ اللَّهِ﴾، ﴿فَضَرْبَ الرِّقَابِ﴾.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٩
﴿رَأَيْتَ الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ﴾ : أي تشخص أبصارهم جبناً وهلعاً. ﴿نَظَرَ الْمَغْشِىِّ عَلَيْهِ﴾ : أي نظراً كما ينظر من أصابته الغشية من أجل حلول الموت. وقيل : يفعلون ذلك، وهو شخوص البصر إلى الرسول من شدة العداوة. وقيل : من خشية الفضيحة، فإنهم إن يخالفوا عن القتال افتضحوا وبان نفاقهم. وأولى لهم : تقدم شرحه في المفردات. وقال قتادة : كأنه قال : العقاب أولى لهم. وقيل : وهم المكروه، وأولى وزنها أفعل أو أقلع على الاختلاف، لأن الاستفعال الذي ذكرناه في المفردات. فعلى قول الجمهور : إنه اسم يكون مبتدأ، والخبر لهم. وقيل : أولى مبتدأ، ولهم من صلته وطاعة خبر ؛ وكأن اللام بمعنى الباء، كأنه قيل : فأولى بهم طاعة. ولم يتعرض الزمخشري لإعرابه، وإنما قال : ومعناه الدعاء عليهم بأن يليه المكروه. وعلى قول الأصمعي : أنه فعل يكون فاعله مضمراً يدل عليه المعنى. وأضمر لكثرة الاستعمال كأنه قال : قارب لهم هو، أي الهلاك. قال ابن عطية : والمشهور من استعمال العرب أولى لك فقط على جهة الحذف والاختصار، لما معها من القوة، فيقول، على جهة الزجر والتوعد : أولى لك يا فلان. وهذه الآية من هذا الباب. ومنه قوله :﴿أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ﴾. وقول الصديق للحسن رضي الله عنهما : أولى لك انتهى.


الصفحة التالية
Icon