﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ﴾ : أي يتصفحونه وما فيه من المواعظ والزواجر ووعيد العصاة، وهو استفهام توبيخي وتوقيفي على محاربهم. ﴿أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ﴾ : استعارة للذين منهم الإيمان، وأم منقطعة بمعنى بل، والهمزة للتقرير، ولا يستحيل عليهم بأن قلوبهم مقفلة لا يصل إليها ذكر، ولم يحتج إلى تعريف القلوب، لأنه معلوم أنها قلوب من ذكر. ولا حاجة إلى تقدير صفة محذوف، أي أم على قلوب أقفالها قاسية. وأضاف الأقفال إليها، أي الأقفال المختصة، أو هي أقفال الكفر التي استغلقت، فلا تفتح. وقرىء : إقفالها، بكسر الهمزة، وهو مصدر، وأقفلها بالجمع على أفعل. ﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّنا بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ﴾ قال قتادة : نزلت في قوم من اليهود، وكانوا عرفوا أمر الرسول من التوراة، وتبين لهم بهذا الوجه ؛ فلما باشروا أمره حسدوه، فارتدوا عن ذلك القدر من الهدى. وقال ابن عباس وغيره : نزلت في منافقين كانوا أسلموا، ثم ماتت قلوبهم. والآية تتناول كل من دخل في ضمن لفظها.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٩
وتقدم الكلام على ﴿سَوَّلَ﴾ في سورة يوسف. وقال الزمخشري : سول لهم ركوب العظائم، من السول، وهو الاسترخاء، وقد اشتقه من السؤل من لا علم له بالتصريف والاشتقاق جميعاً. انتهى. وقال أبو علي الفارسي : بمعنى ولا هم من السول، وهو الاسترخاء والتدلي. وقال غيره : سولهم : رجاهم. وقال ابن بحر : أعطاهم سؤلهم. وقول الزمخشري، وقد اشتقه إلى آخره، ليس بجيد، لأنه توهم أن السول أصله الهمزة. واختلفت المادتان، أو عين سول واو، وعين السؤل همزة ؛ والسول له مادتان : إحداهما الهمز، من سأل يسأل ؛ والثانية الواو، من سال يسال. فإذا كان هكذا، فسول يجوز أن يكون من ذوات الهمز. وقال صاحب اللوامح : والتسويل أصله من الإرخاء، ومنه :﴿فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ﴾. والسول : استرخاء البطن. وقرأ زيد بن علي :﴿سَوَّلَ لَهُمْ﴾ : أي كيده على تقدير حذف مضاف. وقرأ الجمهور :﴿وَأَمْلَى لَهُمْ﴾ مبنياً للفاعل، والظاهر أنه يعود على الشيطان، وقاله الحسن، وجعل وعده الكاذب بالبقاء، كالإبقاء. والإبقاء هو البقاء ملاوة من الدهر يمد لهم في الآمال والأماني. قيل : ويحتمل أن يكون فاعل أملى ضميراً يعود على الله، وهو الأرجح، لأن حقيقة الإملاء إنما هو من الله. وقرأ ابن سيرين، والجحدري، وشيبة، وأبو عمرو، وعيسى : وأملى مبنياً للمفعول، أي امهلوا ومدوا في عمرهم. وقرأ مجاهد، وابن هرمز، والأعمش، وسلام، ويعقوب : وأملي بهمزة المتكلم مضارع أملى، أي وأنا أنظرهم، كقوله :﴿أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ﴾، ويجوز أن يكون ماضياً سكنت منه الياء، كما تقول في يعي بسكون الياء.
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ﴾. وروي أن قوماً من قريظة والنضير كانوا يعينون المنافقين في أمر الرسول، والخلاف عليه بنصره ومؤازرته، وذلك قوله :﴿سَنُطِيعُكُمْ فِى بَعْضِ الامْرِ﴾. وقيل : الضمير في قالوا للمنافقين ؛ والذين كرهوا مانزل الله : هم قريظة والنضير ؛ وبعض الأمر : قول المنافقين لهم :﴿لَا ِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ﴾، قاله ابن عباس. وقيل : بعض الأمر : التكذيب بالرسول، أو بلا إله إلا الله، أو ترك القتال معه. وقيل : هو قول الفريقين، اليهود والمنافقين، للمشركين : سنطيعكم في التكافؤ على عداوة الرسول والقعود عن الجهاد معه، وتعين في بعض الأمر في بعض ما يأسرون به، أو في بعض الأمر الذي يهمكم. وقرأ الجمهور : أسرارهم، بفتح الهمزة، وكانت أسرارهم كثيرة. وابن وثاب، وطلحة، والأعمش، وحمزة، والكسائي، وحفص : بكسرها : وهو مصدر ؛ قالوا ذلك سراً فيما بينهم، وأفشاه الله عليهم. وقال أبو عبد الله الرازي : الأظهر أن يقال : والله يعلم أسرارهم، ما في قلوبهم من العلم بصدق محمد عليه السلام، فإنهم كانوا معاندين مكابرين، وكانوا يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلّم، كما يعرفون أبناءهم. انتهى.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٩
﴿فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَئكَةُ﴾ : تقدم شرح :
٨٣


الصفحة التالية
Icon