﴿الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾، ومبلغهم لأجل القتال. وتقدم قول المرتدين، وما يلحقهم في ذلك من جزائهم على طواعية الكاذبين ما أنزل الله. وتقدم :﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ﴾ ؛ فجاء هذا الاستفهام الذي معناه التوقيف عقب هذه الأشياء. فقال الطبري : فكيف علمه بها، أي بأسرارهم إذا توفتهم الملائكة ؟ وقيل : فكيف يكون حالهم مع الله فيما ارتكبوه من ذلك القول ؟ وقرأ الأعمش : توفاهم، بألف بدل التاء، فاحتمل أن يكون ماضياً ومضارعاً حذفت منه التاء، والظاهر أن وقت التوفي هو عند الموت. وقال ابن عباس : لا يتوفى أحد على معصيته إلا تضرب الملائكة في وجهه وفي دبره. والملائكة : ملك الموت والمصرفون معه. وقيل : هو وقت القتال نصرة للرسول ؛ يضرب وجوههم أن يثبتوا ؛ وأدبارهم : انهزموا. والملائكة : النصر. والظاهر أن يضربون حال من الملائكة ؛ وقيل : حال من الضمير في توفاهم، وهو ضعيف. ﴿ذَالِكَ﴾ : أي ذلك الضرب للوجوه والأدبار ؛ ﴿بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَآ أَسْخَطَ اللَّهَ﴾ : وهو الكفر، أو كتمان بعث الرسول، أو تسويل الشيطان، أقوال. والمتبع الشيء هو مقبل بوجهه عليه، فناسب ضرب الملائكة وجهه. ﴿وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ﴾ : وهو الإيمان بالله واتباع دينه. والكافر للشيء متول عنه، فناسب ضرب الملائكة دبره ؛ ففي ذلك مقابلة أمرين بأمرين.
﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَـانَهُمْ * وَلَوْ نَشَآءُ لارَيْنَـاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَـاهُم وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ الْقَوْلِا وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَـالَكُمْ * وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَـاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّـابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبَارَكُمْ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَآقُّوا الرَّسُولَ مِنا بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْـاًا﴾.
إخراج أضغانهم، وهو حقودها : إبرازها للرسول والمؤمنين ؛ والظاهر أنها من رؤية البصر لعطف العرفان عليه، وهو معرفة القلب. واتصل الضمير في أريناكهم، وهو الأفصح، وإن كان يجوز الانفصال. وفي هاتين الجملتين تقريب
٨٤
لشهرتهم، لكنه لم يعينهم بأسمائهم، إبقاء عليهم وعلى قراباتهم، واكتفاء منهم بما يتظاهرون به من اتباع الشرع، وإن أبطنوا خلافه. ﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ الْقَوْلِ﴾ : كانوا يصطلحون فيما بينهم من ألفاظ يخاطبون بها الرسول، مما ظاهره حسن ويعنون به القبيح، وكانوا أيضاً يصدر منهم الكلام يشعر بالاتباع، وهم بخلاف ذلك، كقولهم عند النصر :﴿إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ﴾، وغير ذلك، كقولهم :﴿لَـاِن رَّجَعْنَآ إِلَى الْمَدِينَةِ﴾، وقوله :﴿إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ﴾. والظاهر الإراءة والمعرفة بالسيماء، وجود المعرفة في المستقبل بلحن القول. واللام في :﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ﴾، لام جواب القسم المحذوف. ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَـالَكُمْ﴾ : خطاب عام يشمل المؤمن والكافر ؛ وقيل : خطاب للمؤمنين فقط.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٩
وقرأ الجمهور :﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَـاهِدِينَ مِنكُمْ﴾، ونبلو : بالنون والواو ؛ وأبو بكر : بالياء فيهن وأويس، ونبلو : بإسكان الواو وبالنون ؛ والأعمش : بإسكانها وبالياء، وذلك على القطع، إعلاماً بأن ابتلاءه دائم. ومعنى :﴿حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَـاهِدِينَ﴾ : أي نعلمهم مجاهدين قد خرج جهادهم إلى الوجود، وبأن مسكهم الذي يتعلق به ثوابهم. ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ : ناس من بني إسرائيل، وتبين هداهم : معرفتهم بالرسول من التوراة، أو منافقون كأن الإيمان قد داخل قلوبهم ثم نافقوا ؛ والمطعمون : سفرة بدر ؛ وتبين الهدى : وجوده عند الداعي إليه، أو مشاعة في كل كافر ؛ وتبين الهدى من حيث كان في نفسه، أقوال. ﴿وَسَيُحْبِطُ أَعْمَـالَهُمْ﴾ : أي التي كانوا يرجون بها انتفاع، وأعمالهم التي كانوا يكيدون بها الرسول ودين الإسلام.